المصدر: نيوزويك
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كرم الحمد، ناشط في مجال حقوق الإنسان وطالب دراسات عليا في جامعة يال , صاحب مشروع “زينديتا” وهو وثائقي مع رسوم متحركة تروي قصص معاناة السوريين تحت حكم الأسد بسبع لغات.
في مثل هذا اليوم قبل أحد عشر عاماً، نظرت من نافذة منزلي في دير الزور، شرقي سورية، ورأيت عشرات المتظاهرين يحتجون على القمع الوحشي الحاصل في درعا – كان الناس يطالبون بالديمقراطية. وحالما هرعت للخروج، حاملاً بيدي الكاميرا للانضمام إلى الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في الشوارع وتوثيقها، تغيّرت حياتي بشكل كُلّي ونهائي، إلى جانب حياة أكثر من 21 مليون سوري كانوا يعيشون في بلدنا.
بعد مرور 11 عاماً، أصبح ما يقرب من ثلثَيْ مواطني بلدي، أو 13.5 مليون سوري، لاجئين أو طالبي لجوء أو نازحين داخلياً. ولا يزال بشار الأسد في السلطة، على الرغم من استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وقتل مُنتقديه بوحشية وسجن مئات الآلاف من السوريين الذين تحدثوا ضد نظامه. لا يزال معظم هؤلاء المعتقلون في عِداد المفقودين، ويتساءل أحباؤهم ليلَ نهارَ عمّا إذا كانوا على قيد الحياة. أنا أعرف لأنني كنت واحداً منهم.
من عام 2011 إلى عام 2014، سجنتني الحكومة السورية أربع مرات لما مجموعه 463 يوماً لأنني تجرأت على الحلم بمستقبل أكثر إشراقاً وحرية لسورية. تعرّضت للحبس الانفرادي، وقد تمّ تعذيبي بوحشية. كنت محشوراً في غرفة مساحتها 5 في 6 أمتار وأُجبرت على مشاهدة غالبية زملائي السجناء يموتون.
وعلى الرغم من أنني تمكّنت منذ ذلك الحين من العثور على ملاذ في تركيا ومتابعة مسيرتي المهنية كناشط في جامعة يالي، إلا أن صدى صمت الـ 11 عاماً لا يزال يصمّ أذنَيَّ. لقد اختار العالم أن يحدّق بشكل متبادل في الفظائع التي تتكشف في سورية، واعتبرها مشكلة أخرى، ووصف الصراع بأنه مُعقَّد للغاية بحيث لا يمكن حلّه وتمكين الأسد من مواصلة الفظائع ضد شعبه.
على الرغم من كل هذا، لا يزال لديّ أمل في أن أشهد سورية أكثر حرية وسلاماً. أعتقد أنه الآن قد تكون أخيراً هي اللحظة التي سيُسمع فيها صراخ سورية من أجل الحرية وإليكم السبب:
أولاً وقبل كل شيء، يتمتع المسؤولون المنتخبون في جميع أنحاء العالم بالقدرة على الضغط على الحكومة السورية للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين المتبقين. وقد قدّرت الأمم المتحدة أن عشرات الآلاف من الأشخاص مُحتجزون حالياً لدى الأسد، ولا يزال 100 مركز احتجاز قيد العمل.
كل واحد من هؤلاء عشرات الآلاف من السجناء هو إنسان وليس رقماً. لديهم قصص وأحلام وأغانٍ مفضلة وأعياد ميلاد وذكريات عذاب. إن السلام في سورية مستحيل بدون تحقيق العدالة للمعتقلين الحاليين وعائلاتهم.
ولصياغة الآليات اللازمة لإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، يجب على قادة العالم النظر إلى قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سورية لعام 2019. في حين أنه لم يحل الأزمة، فإن هذا القانون -الذي حظي بدعم الحزبين ووقّعه الرئيس السابق دونالد ترامب ليصبح قانوناً في عام 2020- كان خطوة في الاتجاه الصحيح. لقد فرض القانون عقوبات على سورية، ولم يطالب فقط بالإفراج عن جميع المعتقلين المتبقين، لكنه خصّ إيران وروسيا على مدار 11 عاماً من الدعم لنظام الأسد.
إن مجرّد الاعتراف بأعمال إيران وروسيا المؤسفة في سورية هو مجرد البداية. فالأحداث الأخيرة في أوكرانيا وسورية ليست متباينة، كِلاهما جرائم خطيرة ومترابطة ضد حقوق الإنسان. إذا لم نفحص المحاولات الغربية الفاشلة الماضية لتخفيف النفوذ الروسي في سورية، فإننا محكوم علينا بتكرارها، هذه المرة، في أوكرانيا.
بينما يتصارع العالم حول كيفية تحميل روسيا المسؤولية عن غزوها المناهض للديمقراطية لأوكرانيا، من الأفضل أيضاً أن نتذكر أن العقوبات وحدها لم تفعل شيئاً لتعزيز الحرية وكبح نفوذ روسيا في سورية. ولحماية الديمقراطية العالمية بكل إخلاص، يجب على الناتو التدخل عسكرياً في أوكرانيا وإطلاق جهود مماثلة في سورية. من المؤكد أن السماح لروسيا بفرض سيطرتها على أراضٍ ليست تابعة لها في الشرق الأوسط يبعث برسالة مفادها أنه قد يُسمح لها بفعل ذلك في مناطق أخرى.
وبالمثل، بينما تتدفق المساعدات الإنسانية المهمة لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين استجابةً للعنف في أوروبا، فإن فاعلي الخير والمنظمات غير الحكومية سيُحسنون صنعاً لمساعدة أكثر من مليونَيْ نازح سوري داخلي يعيشون بالقرب من حدود تركيا والذين تُركوا بدون تمويل طيلة الثلاث سنوات الماضية. يجب علينا حماية المدنيين النازحين داخلياً من الأسد، الذين من المرجح أن يشعروا بالتشجيع بسبب استيلاء حليفه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الأراضي مؤخراً.
بالإضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بالسعي إلى مساءلة القادة في النظام السوري، يجب على القادة والنشطاء النظر في حكم محكمة ألمانية صدر في يناير 2022، والذي أصدر أول إدانة في العالم بشأن أنشطة التعذيب التي تمارسها الدولة في سورية. في هذا الحكم، قررت ألمانيا أنها لم تعد قادرة على غضّ الطرف عن انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان. يجب على الدول الأخرى أن تحذو حذوها.
إليكم شيئاً آخر يعطيني الأمل: عشرات المنظمات تعمل بالفعل على الأرض في سورية، وتدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين وتوثيق الفظائع ضد السوريين.
قد لا نمتلك حتى الآن الحلول السياسية الدقيقة اللازمة للتعامل بشكل كامل مع الوضع المُعقَّد والمتعدد الأوجه في سورية، ولكن لدينا الوسائل لدعم منظمات مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان والحملة السورية والأرشيف السوري ومركز العدالة والمحاسبة السوري في كفاحهم لحماية حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات من جميع الجهات الفاعلة في سورية. وغني عن القول أن هذه المعركة ليست معركة سهلة.
لقد استولى الأسد على جزء كبير من أرضنا. لقد أخذ الكثير من حياتنا. لكنه لن يفوز أبداً بثقة السوريين، والأهم من ذلك أنه لا يمكنه أن يسلب قصصنا أبداً. هذا يعزز إيماني بأن الفن هو أيضاً مصدر أمل في الرحلة نحو سورية حرة.
طوال الانتفاضة، كانت كاميرتي هي فرشاتي الخاصة، وكانت سورية لوحة الرسم الخاصة بي والثورة أصبحت فني. أطلقت اليوم (زينديتا) Zendetta، وهي أول رواية رسوم متحركة من نوعها، لمشاركة قصتي وإلهام الآخرين للانضمام إلى الحركة. لأنه حيثما فشلت الحلول السياسية، يمتلك الفن القدرة على إلهام الأمل. الفن يثير التعاطف. الفن يُحفز الاتصال فالفن حركة.
يبدو أن تحويل قصة سورية من واحدة من التعقيدات الجيوسياسية إلى واحدة من التجارب الإنسانية أمر بالغ الأهمية إذا أردنا إثارة التعاطف مع السوريين في الغرب؛ لأن الانتفاضة السياسية متعددة الأوجه معقدة. لكن الأم التي تتساءل عما إذا كان ابنها المحتجز على قيد الحياة هي بشر. ولم ينجح أي شيء آخر في كبح جماح العنصرية التي أظهرها الغرب تجاه اللاجئين في الشرق الأوسط وضحايا الجرائم ضد الإنسانية.
من خلال تسخير قوة الفن والتكنولوجيا لتسليط الضوء على الوضع في سورية بطريقة تفاعلية وسهلة الفهم، يمكن لمواطني العالم إدراك آلام السوريين والاعتراف بها.
بصفتي طالباً لم يُسمح له بمتابعة درجة البكالوريوس في سورية، ومعتقلاً أربع مرات وثائراً وإنساناً يحلم يوماً ما بالعودة إلى سورية لإعادة البناء، دعني أقول لك مرة أخرى: هناك أمل.
يمكننا النضال من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين السوريين المُتبقين. يمكننا تحميل روسيا وحلفاء الأسد الآخرين المسؤولية عن تهاوُنهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان. يمكننا التبرع للمجموعات العاملة على الأرض في سورية للدفاع عن حقوق الإنسان. ويمكننا استخدام الفن لسد فجوة التعليم المحيطة بالوضع في بلدي وإلهام الجيل القادم من صانعي السياسات للكشف عن حلول مبتكرة للتحديات التي تنتظرنا في سورية.
الآن أكثر من أي وقت مضى، أصبح الأمريكيون مدركين تماماً لمدى قيمة الديمقراطية وهشاشتها حقاً. استمِعْ إلى قصص السوريين وتعلَّمْ من التاريخ ولا تسكت. استخدم صوتك لتكون قوة للأمل، وانضم إليَّ في فن الثورة.
“نداء بوست”