منعطف جديد تمرّ به الثورة السورية، في الذكرى الحادية عشرة لتعالي الأصوات ضدّ “مملكة الصمت” الأسدية داعية للزحف صوب الحرية والكرامة، يُضاف إلى مصاعب جمّة عملت على تغيير مسارها وتشويه حقيقتها وتشتيت جهودها، حتى وصلت طريقاً لا رجعة فيه، أوصلت الفاعلين والمتصارعين إلى أزمة لا فكاك منها، إلا بالتسليم بإرادة السوريين في تحقيق أهدافهم، فأضحت الثورة المستحيلة واقعاً مستمرّاً، بعد أن دفع السوريون الكثير من الشهداء والدماء والدمار والتشرّد والاعتقال، ولمّا يتحقّق هدفهم المنشود..
منعَطَف في خضمّ متغيّرات أربكت الجميع، ولن يسلم السوريون من تأثيراتها، من الحرب الروسية على أوكرانيا إلى قرب توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما فضحته زيارة “مشوار” رأس عصابة الإبادة الأسدية “المفاجئة” للإمارات، المتطوّعة درعاً للثورة المضادة وملهماً وداعماً لها في سورية ومصر وليبيا واليمن، وانسجاماً مع سياساتها الإقليمية حيث كانت مقدمة التطبيع مع إسرائيل، فلمَ لا تكون طليعة التطبيع مع أنظمة القتل والاستبداد والإجرام؟
ويعبّر لافروف عن سعادته بالخرق السياسي، وفي اليوم التالي كانت قمة شرم الشيخ (السيسي وابن زايد وبينيت)، وبعدها لقاء عبد اللهيان بحاكم دمشق، ثم تلتها قمة العقبة(الإمارات ومصر والعراق والأردن)، ويليها قمّة تل أبيب (أمريكا وإسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب وربما الأردن)، وكأن الزيارة/المشوار قرّرت تمديد وظيفيّة النظام، ليقوم بمهام جديدة قذرة!
رئيس العصابة أحكم توقيت الزيارة ليقول إنه انتصر على “الشعب الإرهابي” لصالح الشعب “المتجانس“، وكسر مقاطعة العرب، وهاهم يسارعون لاستجداء قبولهم، ولجَمَ أوروبا بِلاءاتهاالتي لن تتفوّه بها بعد الآن، و”زَبَل” مجلس الأمن بقرارَاته 2118-2254… التي أكلها الغبار ونسيها النسيان، بعد أن جعل“اللجنة الدستورية” بديلاً للتسلية تذرّ الرماد في العيون، ويتحدّى أمريكا التي –تقول- ستحاسبه على جرائمه، بينما تُشَرْعنه بغضّ الطرف، ثم ادّعاء المفاجأة وتعابير السخط والاستنكار، وتنظر للقضية السورية إنسانياً وإهمالها –حدّ التعفّن- سياسياً، وأعلن دحرَ المؤامرة الكونية، ونهاية تأثّره بعقوبات “قيصر”، إذ يعدهم بالمنّ والسلوى بعد قحط ومعاناة أنتجها إجرام نظامه وفساده، وأمّلهم بموقف ردّ الجميل بالمزيد من المرتزقة حطباً لحرب أوكرانيا التي لن تنال من كعب داعميه الروس، واستبشاره بعودة إيران القوية الغنية المنتصرة بملفّها النووي، لتلعب دور البطولة في المرحلة التالية.. إذ صار القائد الملهم الذي لا يُشَقّ له غبار، وسيّد الوطن الذي تُفتح له الحُجُب، فصنع إعلامه– الذي لا يكتفي من الكذب إلا بزيادة الكذب!– من مشوار الإذلال فتحاً، وبشّر السوريين –رهائنه-بنهاية معاناتهم الاقتصادية، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، فلم يأتِ بغير أحمال من أوهام، وتلال من وعود مشروطة بمزيد من الخدمات وقيود وتوازنات إقليمية ودولية، لتتضاعف المعاناة وتتكالب المصاعب.
حكّام الإمارات يعرفون أنه مجرم حرب، ويدركون أنهم يمتطون بغلاً يُسَرّ بثقيل الأحمال مقابل شرعنته -مكافـأةً لجرائمه- بتعويمه جواداً، ليستمرّ في الجري، ويؤدّي ما يأنفونه، وحجّتهم “الحفاظ على وحدة سورية واستقرارها، وانسحاب القوات الأجنبية، وعدم تركها فريسة للمطامع الإيرانية“!، وهم متأكدون أن إيران أذِنت باللقاء خدمة لمشروعها، بفكّ المنبوذ من عزلته والاستثمار في تموضعه الاستراتيجي بين أركان “اتفاقية أبراهام”، بينما يعملون بدأب ليكون لهم موطئ قدم في الصراع، وملء فراغ انشغالات القوى الكبرى الفاعلة في الملفّ، والمشاغبة على تركيا وإيران وأمريكا، وأخذ حصّتهم من مشاريع التعافي المبكّر والإعمار مستقبلاً.
عملت الإمارات لاستقدامه على عجل، ودون بروتوكولات، ورقةَضغطٍ أو مساومة في سياسة “تصفير عداوات” جديدة، ضمن إستراتيجية، فرضها الخوف من مجاهيل المستقبل، حيث تتقاطع مصالح الجميع بموقع، وإن تناقضت بمواقع أخرى. ففي ذلكاسترضاء لروسيا، وتهدئة لإيران، وتمرّد وضغط على أمريكا، وطمأنة لإسرائيل، ومجاملة لركب التطبيع العربي بفتح مساره لنظام إباديّ متهالك، وتحوّط لمتغيّرات جيوسياسية في المنطقة نتيجة انكفاء أمريكا، وتغوّل روسيا، وعودة إيران، واتّقاء لمخرجات حرب روسيا في أوكرانيا، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة لتبعيّة الموقف الأوروبي وتشتّته ولا فاعلية بياناته ولاءاتها.
رسالة أخيرة للزيارة تقول: إن لم تقمِ الثورة بتوحيد رؤاها وتوضيح وجهة بوصلتها وتصحيح مسارها والتفافها مجتمعة حول برنامج وطني، يعمل لتحرير سورية من الاحتلالات والتبعية صوب سورية مدنية ديمقراطية تعددية، يحكمها القانون، فإن القضية السورية ستُركن طويلاً، بينما يصبح الأمر الواقع سيّداً مؤهّلاً شرعيا،ً وإن كان ذلك عبر الكيماوي والجرائم ضدّ الإنسانية والخراب.