منذ أكثر من عام، كان التراجع عن سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعتها الإدارة الأميركية السابقة، والتوصل إلى نوع من التسوية النووية مع إيران، هو حجر الزاوية في سياسة إدارة بايدن في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت حكومات المنطقة ولا تزال تراقب عن كثب المفاوضات التي قادت إليها سياسية بايدن، وقد كثفت تلك الحكومات مراقبتها في الأسابيع الأخيرة مع اقتراب واشنطن وطهران من تحقيق اختراق في المفاوضات.
ولكن ليس ثمة دولة تراقب المحادثات الجارية عن كثب أكثر من إسرائيل – ولا توجد دولة تفكر في احتمال إجراء إصلاح أكثر جذرية لوضعها الأمني نتيجة لذلك.
خلال زيارتي الأخيرة إلى إسرائيل، تركزت محادثاتي مع مجموعة من الخبراء والباحثين والمحللين في مجال الدفاع في موضوع أساسي، وهو الشعور الملح بالريبة – وحتى الخيانة – إزاء إصرار إدارة بايدن على إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران. فبكل بساطة، لا يفهم المراقبون الإسرائيليون سبب إصرار واشنطن على السعي لإحياء اتفاقية عام 2015، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهم مصدومون من حجم التنازلات التي قدمها البيت الأبيض لطهران من أجل تحقيق ذلك. وقد تزايدت هذه المخاوف في ظل شائعات قوية بأن إدارة بايدن تفكر الآن في رفع جيش رجال الدين الإيراني، الحرس الثوري (IRGC)، من قائمة وزارة الخارجية الأميركية للتنظيمات الإرهابية، مقابل وعود من طهران باتباع سلوك إقليمي جيد.
دفعت هذه السياسة، وتداعياتها المنطقية المتمثلة في إعادة تمكين إيران، إلى تدشين نقاش استراتيجي جديد في إسرائيل، حيث ينظر المسؤولون والخبراء الآن في مزايا كل من “الخطة ب” و”الخطة س” ردا على ذلك.
“خطة ب” الإسرائيلية معروفة إلى حدا ما، وتتضمن إنشاء قدرة عسكرية مستقلة ومستدامة لتوجيه ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية. وتعكف حكومة رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، الآن على تخصيص موارد كبيرة لضمان تهيئة مثل هذا الخيار. ففي العام الماضي، رفعت ميزانية الدفاع في البلاد إلى ما يقرب من 60 مليار شيكل (19.2 مليار دولار) – بزيادة تصل لـ 2.5 مليار شيكل (778 مليون دولار) عن مستويات عام 2019 – مع تخصيص كثير من هذه الأموال لتأسيس حالة طوارئ عسكرية في مواجهة إيران. وتمثل هذه الزيادة أهم عملية إعادة هيكلة لميزانية جيش الدفاع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
يرى بعض النقاد الإسرائيليين أن التخبط الحالي هو خطأ رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، الذي راهن كثيرا على سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعتها إدارة ترامب حيال إيران، ونتيجة لذلك لم يستثمر بما يكفي في خيار عسكري عملي في البلد. ولهذا، يدعم بعض أولئك النقاد حاليا المفاوضات الأميركية الإيرانية، رغم أنهم لا يدعمون، كما يبدو، التوصل لاتفاق جديد بحد ذاته. بكل بساطة، أوضح عدد من الخبراء الإسرائيليين أنه كلما طالت المحادثات الحالية، صار لدى إسرائيل مزيد من الوقت الذي تحتاجه للاستعداد عسكريا لما لا مفر منه.
لكن الأمر المهم هو أن ديناميكيات التقارب الحالي بين أميركا وإيران دفعت جزءا من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية إلى التفكير في خيار آخر أيضا: “الخطة س”، وتتضمن إعادة ترتيب الوضع النووي الإسرائيلي بصيغة أكثر علانية. وستمثل مثل هذه الخطوة تغييرا جذريا. فقد تبنت إسرائيل لعقود من الزمان، سياسة الغموض النووي، التي أنكرت بموجبها رسميا وضعها كدولة نووية على الرغم من أنها معروفة على نطاق واسع بأنها كذلك. وقد سمح هذا الوضع لإسرائيل بتجنب التورط في ترتيبات دولية مثل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي من شأنها أن تعرض البلاد وبرنامجها النووي لتدقيق عالمي مكثف.
الآن، ظهرت دعوات في أوساط الدفاع الإسرائيلية والسياسية لتغيير هذه السياسة. ويجادل أصحاب هذه الدعوات بشكل فعال بأن على إسرائيل أن “تخرج من المخبأ النووي”، وتعلن أنها تمتلك أسلحة نووية. ومن خلال القيام بذلك، كما يرى هؤلاء، قد تكون إسرائيل قادرة على إيجاد بعض مظاهر “توازن الرعب” مع جمهورية إسلامية تقترب بسرعة من العتبة النووية؛ وبرنامجها النووي، ببساطة، متقدم جدا، وموزع للغاية، وبالغ المرونة بحيث يصعب القضاء عليه دفعة واحدة.
ليس من الواضح بعد ما قد يعنيه ذلك، سواء بالنسبة لمكانة إسرائيل الدولية أو للمنطقة ككل. لكنه بلا شك واحد من أهم التحولات الاستراتيجية التي تحدث الآن في المنطقة، حيث تستعد دول الشرق الأوسط لما هو في طور التشكل ليكون صفقة جديدة وخطيرة للغاية مع إيران.
“الحرة”