في الشهر الذي قُتل فيه سبعة سوريين تحت التعذيب، أربعة في معتقلات عصابة الإبادة الأسدية، وثلاثة في معتقلات ربيبتها قسد- بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان- يصدر القانون 16 موسوماً بـ” تجريم التعذيب “، ( بما يتوافق مع الالتزامات الدستورية للدولة التي تحرّم التعذيب، ومع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي سبق أن صادقت عليها الجمهورية العربية السورية )، وليس ذلك اعترافاً
وحسب، بل تلميعاً لصورة قبيحة، يعرفها القاصي والداني، عن الدولة الأسدية المتوحّشة.
الجميل في القانون ليس طرافته في واقع مأساوي، بل سخريته وتجاوزه للّامعقول، في تحديده لماهية التعذيب والعقوبة المناسبة، وفي “فتحه الأفق لوطن يحفظ كرامة الإنسان، ويحميه من تغوّل آلة القمع والتعذيب الممنهج، وكأن الدولة الأسدية منازل للملائكة والقديسين!”.
القانون صار نافداً، ولكنه لا يساوي حبر طباعته، لأن مَن يتعهّد تنفيذه مجرم، سيجعله وبالاً، ومادة للارتزاق والابتزاز أو التهرّب ليس غير، أمّا هذا القانون فقد أصدر “في هذا الوقت”، لا تجريماً للتعذيب كما يدّعون، ولا للسخرية من دولة لا تؤمّن قوت شعبها، بل غطاء لانشغال داعميه عنه بمصائبهم، واستباقاً لمتغيّرات سياسية في المنطقة، تقتضي “شهادة حسن سلوك” لاعتماده، وتبييضاً لصفحة سوداء كريهة لتجميله ثم تعويمه ملحقاً بمركب التطبيع، وإعلان البراءة مما نُسب إليه منعاً لملاحقته، وإنكاراً لمسؤولية تطال العصابة الحاكمة، في مواجهة آلاف الصور التي قدّمها قيصر2013، كأدلة دامغة على القتل والتعذيب والتجويع والاغتصاب في معتقلات نظام الإبادة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين وضحايا التعذيب بكل الأنواع التي ذكرها “القانون”، بعد قيصر وقبله، الموثّقة من قِبل منظمات دولية، والمصنّفة بما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
ثمّة أسئلة تطرح نفسها بهذا الصدد: إن كان رئيس العصابة قد نفى مراراً أن يكون لديه معتقلون، ونفى أن تعذيباً يحصل في سجونه، فلماذا يصدر قانوناً يجرّم التعذيب؟ وهل سيحاسَب من أمَرَ وعذّب واغتصب وقَتَل واعتَقل طيلة 12عاماً؟ وهل يمكن فتح تحقيق حول مصير المختفين قسراً، وقد زاد عددهم على 130ألفاً؟ وإن صحّ الادّعاء، فَلِمَ يكون المعتقلون ورقة ابتزاز سياسية؟ وهل يقدّم القانون إنصافاً للضحايا وحماية للشهود أو الناجين؟ وما الآليات القانونية لتنفيذه؟ وما الضامن، وما الإجراءات لعدم حصول التعذيب مستقبلاً؟ وهنا لا بدّ من الإشارة أن في جعبة النظام دزينة من القوانين تعارض قانونه الأخير، وتحمي مرتكبي الجرائم الذين مارسوا –ويمارسون- التعذيب بمنهجية راسية، طالت أكثر من مليون ونصف مواطن سوري، زاروا المعتقلات منذ آذار 2011، قتلت منهم أكثر من14ألفاً، وما زال أكثر من 130ألفاً مجهول المصير، معتمدة 72 أسلوباً في التعذيب الجسدي والإهمال الصحي، وظروف الاحتجاز، والعنف الجنسي، والتعذيب النفسي وإهانة الكرامة الإنسانية، والتعذيب في المشافي العسكرية…
قمة السخرية أن تتكاذب قوة الأمر الواقع بتجميل صورتها المحروقة بقوانين تجميلية، هي أول مَن يخترقها، بينما تطحن المعاناة المعيشية السوريين في ظلّ انهيار اقتصادي لدولة مرتزقة وعصابات تعتاش على الحروب والتهريب والمخدرات والكبتاغون والإتاوات والتعفيش والإعانات والديون ونهب المساعدات الدولية، بعد أن صارت مثالاً للفساد والانحطاط والانهيار، ورهينة احتلالات وحلبة صراعات إقليمية ودولية، وساحة تصفية حسابات بينهم لن تنتهي قريباً.
رئيس التحرير