المصدر: هآرتس
ترجمة: عبد الحميد فحام
إلى جانب محاولة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجديد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، تمّ تكليف ضابط عسكري سابق بإحياء المفاوضات الإسرائيلية السورية.
يلقي كتاب للسفير الأمريكي السابق فريدريك سي هوف الجديد الضوء على ردود أفعال نتنياهو والأسد.
من عام 2009 حتى عام 2014، عندما كان باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة وكان بنيامين نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل، كانت عملية السلام الإسرائيلية العربية تتمحور حول محاولات التوصّل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقد انتهت محاولتان، إحداهما بقيادة أوباما والأخرى بقيادة وزير الخارجية جون كيري، بالفشل وزاد ذلك من حِدّة التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
والحقيقة التي لا يعرفها الجميع هي أنه إلى جانب هذه الجهود، قامت إدارة أوباما بمحاولة سرّية للتوسّط بين إسرائيل والنظام السوري.
وقد تمّ قطع هذه الوساطة بسبب الثورة في سورية في شهر آذار/ مارس من عام 2011، ولكن وفقاً للوسيط الأمريكي فريدريك سي هوف، كانت الوساطة تسير بمسار واعد، حيث أظهر رئيس النظام السوري بشار الأسد ونتنياهو استعداداً مُفاجئاً للدخول في مفاوضات جادّة على اتفاق سلام إسرائيلي سوري.
كانت جهود الوساطة هذه سادس محاولة لتسوية الخلاف بين إسرائيل وسورية. فبين عامَيْ 1992 و2011، كانت هناك علاقات مُعقّدة بين سورية وإسرائيل، مع استمرار المحاولات لتسوية النزاع والتوصّل إلى اتفاق سلام جنباً إلى جنب مع الكفاح المُسلَّح الذي يجري في الغالب بالوكالة.
حيث دعم النظام السوري حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة، علاوة على ذلك، اكتشفت إسرائيل خلال ذلك الوقت محاولة سورية بمساعدة كوريا الشمالية لبناء مفاعل نووي وإنتاج أسلحة نووية فيه في عام 2007، خلال عهد رئيس الوزراء إيهود أولمرت، فقام سلاح الجوّ الإسرائيلي بتدمير المفاعل.
وخلال هذه السنوات، لعبت الولايات المتحدة دوراً نشطاً في محاولات تسوية الصراع الإسرائيلي السوري.
وفي المراحل الأولى من هذا الجهد، قاد “فريق السلام الأمريكي” مشوار عملية السلام وحينها لم يكن رئيس النظام السوري، حافظ الأسد، ينظر إلى عملية السلام مع إسرائيل على أنها عملية ثنائية، بل عملية ثلاثية، شبيهة بتلك التي أنتجت السلام بين إسرائيل ومصر في أواخر السبعينيات.
لم يكن الأسد مُهتماً بالسلام مع إسرائيل لأجل السلام، بل أراد عودة مرتفعات الجولان، وليس أقل من المرتفعات، أراد إقامة علاقات جديدة مع الولايات المتحدة، وإضفاء الشرعية على سورية في نظر واشنطن والحصول على مساعدات اقتصادية أمريكية.
لذلك، حتى عندما أجرى محادثات مباشرة مع إسرائيل، أصرّ الأسد على مشاركة الدبلوماسيين الأمريكيين فيها والحفاظ على الطبيعة الثلاثية للعملية.
خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وفي العام 2000، انخرط الرئيس كلينتون شخصياً في هذا الجهد والتقى مرتين مع حافظ الأسد في محاولة للتغلّب على الصعوبات الكامنة في المفاوضات السورية الإسرائيلية.
وكان فريق السلام الأمريكي مؤلفاً في الغالب من دبلوماسيين متمرسين بدؤوا حياتهم المهنية في عهد الرئيس جورج بوش وبقوا في مناصبهم في عهد كلينتون، واستمر اثنان منهم – دينيس روس ومارتن إنديك – في عهد أوباما أيضاً.
كان فريق السلام الأمريكي تجسيداً لما يُعرف في واشنطن بـ “الباب الدوار”، والذي من خلاله يأتي الدبلوماسيون والأكاديميون ويتنقلون بين المناصب الحكومية والأكاديمية ومراكز الفكر.
في أواخر التسعينيات، كان هناك استثناء مثير للاهتمام لهذه اللوحة، شخصية إشكالية من أصل لبناني، جورج نادر، الذي كان يقوم بجولات منذ الثمانينيات بين واشنطن ودمشق وبيروت وتل أبيب، ربط نظام الأسد بإدارة نتنياهو الأولى، حيث قام بتجنيد قطب من أقطاب تجارة مستحضرات التجميل (رونالد لودر) لجهود وساطة بين نتنياهو والأسد. الجهد، الذي بدأ بشكل مفاجئ بشكل جيد، فشل في النهاية، وترك ندوباً في كل من دمشق وتل أبيب. كشف هذا الجهد أن نتنياهو كان على استعداد لتقديم تنازلات بعيدة المدى عن الأراضي من أجل التوصّل إلى اتفاق مع دمشق، وأن الاتصال المباشر مع الأسد، وليس من خلال وسطاء، ينتج عنه نتائج أفضل.
كان من المهم لإسرائيل أن تُجري مفاوضات مباشرة مع سورية، دون وساطة من طرف ثالث، لأن إسرائيل كانت مُحقّة في أن إجراء المحادثات المباشرة هو نوع من التطبيع – وهو نفس السبب الذي دفع حافظ الأسد وخليفته وابنه بشار إلى التقليل من الاتصالات المباشرة وفضّلوا الوساطة.
وفي عام 2008، عندما قرر رئيس الوزراء آنذاك أولمرت تجديد المفاوضات مع سورية، وافق على الوساطة التركية (التي بدأت بشكل واعد مثل الجهود السابقة وانتهت بالفشل وانتهت أيضاً بتوترات تركية إسرائيلية).
في عام 2009، دخل فريدريك هوف المُعترك بعد أن تمّ تجنيده كمستشار من قبل السناتور جورج ميتشل، الذي عينّه أوباما كمبعوث للشرق الأوسط، لإدارة عملية السلام الإسرائيلية العربية.
تولّى ميتشل المهمة بعد مسيرة مهنية متميزة في مجلس الشيوخ ونجاح مذهل في صنع السلام في أيرلندا.
هو، مثل أوباما، ركّز (دون جدوى) خلال مهمته على المسار الإسرائيلي الفلسطيني، وترك محاولة إحياء المفاوضات الإسرائيلية السورية في يد مساعده هوف.
وفي كتابه الجديد “التصارع من أجل المرتفعات: القصة الخفيّة لمحاولة سرّية للتوصّل إلى سلام سوري إسرائيلي”، يروي تجربته.
تمّ تعيين هوف من قِبل ميتشل بعد أن عمل كضابط في الجيش وفي وزارة الخارجية. شغل منصب الملحق العسكري الأمريكي في بيروت. اكتسب خبرة وسمعة كخبير رائد في رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان وبين إسرائيل وسورية (والتي أصبحت تُعرف باسم خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967). عندما قام ميتشل بطلب تعيينه، كان هوف يترأس شركة استشارية في واشنطن. يقول هوف: إنه عاش في سورية كطالب جزءاً من برنامج التبادل الأمريكي السوري. ومنذ ذلك الحين، كان حلمه هو المساعدة في إحلال السلام بين سورية وإسرائيل.
عندما تولّى هوف منصبه الجديد، واجه عقبتين رئيسيتين. في البيت الأبيض في عهد أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، حيث لم يكن هناك الكثير من الحماس لمحاولة أخرى لإرساء السلام بين إسرائيل وسورية.
كان هذا بسبب مشكلة معروفة:
كانت سورية تطالب -وكانت كذلك منذ أيام حافظ الأسد- بأن تبدأ المفاوضات بالتزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان.
وفي غضون ذلك، رفضت إسرائيل تقديم مثل هذا الوعد قبل تلقّي دليل ملموس عن نيّة سورية في تحقيق سلام كامل وتلبية احتياجات إسرائيل الأمنيّة.
في عام 1993، وجد رئيس الوزراء إسحاق رابين حلّاً لهذه القضية. لقد تعهّد إلى وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر باستعداد مشروط وافتراضي للانسحاب الكامل من الجولان مقابل حزمة كافية من السلام والأمن.
تم استخدام صيغ مختلفة من هذه الصيغة من قِبل رؤساء الوزراء شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو (عندما كان لودر مبعوثاً) وإيهود باراك وإيهود أولمرت، لكن هذا لم يكن كافياً في النهاية، وسعى هوف إلى طريقة مختلفة لحلّ المشكلة.
تغلّب هوف على الصعوبة التي واجهها داخل إدارة أوباما من خلال الانضمام إلى دينيس روس. هوف وروس مختلفان تماماً. روس هو دبلوماسي مبدع بشكل استثنائي، عرف كيف يشقّ طريقه عبر متاهة عدد من الإدارات الأمريكية ويتنقل بين الإسرائيليين والعرب. لذلك لعب دوراً مركزياً في عملية السلام منذ بدايتها حتى عام 2011.
في غضون ذلك، تولّى هوف وظيفته في الإدارة مع النظرة التي اكتسبها كضابط في الجيش. لقد عمل من خلال إجراءات منظمة واحترم التسلسل الهرمي الذي اندمج فيه. كان التباين والجمع بين الرجلين أمراً رائعاً ومُثمراً.
أوضح روس لهوف أنه لكي ينجح في مهمته، عليه أن يكسب دعم الرئيس وأن يجتمع مع نتنياهو. تساءل هوف كيف يمكنه الوصول إلى الرئيس واللقاء مع نتنياهو عندما كان تابعاً لميتشل. كتب في كتابه أنه نشأ في منزل تقليدي ثم خضع 20 عاماً من الحياة المنظمة في الجيش الأمريكي – “كان احترام السلطة أمراً طبيعياً ويجري في عروقه”.
احترم هوف ميتشل والإطار الهرمي الذي وجد نفسه فيه، لكن بمساعدة روس تمكن أيضاً من لقاء نتنياهو وأوباما، وفي النهاية بدأ مهمة الوساطة بين نتنياهو وبشار الأسد.
معظم كتاب هوف هو وصف لاجتماعاته مع الأسد ونتنياهو في أوائل عام 2011، والتي كانت ناجحة بشكل مدهش.
تغلب هوف وروس على قضية الضمانات عندما قدما ورقة عمل أمريكية تضمّنت إشارة إلى خطوط الرابع من يونيو. والمثير للدهشة أن الصيغة نجحت مع الأسد ونتنياهو.
على عكس الجهود السابقة، لم تكن النقطة الرئيسية لوساطة الولايات المتحدة هي الصيغة المعتادة لـ “الأرض مقابل السلام” ولكن “الأرض مقابل التغيير الإستراتيجي”.
بمعنى آخر، ومقابل الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان، كان من المُفترض أن تحصل إسرائيل ليس فقط على السلام مع سورية، ولكن أيضاً على فكّ الارتباط السوري مع إيران وحزب الله.
فمنذ حرب لبنان الثانية في عام 2006، كانت إسرائيل تنظر إلى التحالف الثلاثي بين إيران والنظام السوري وحزب الله على أنه تهديد إستراتيجي خطير، وكانت الصيغة التي قدّمها هوف وروس كافية لإقناع نتنياهو بالموافقة على الدخول في مفاوضات جادّة بناء على تلك الصيغة.
يصف هوف بالتفصيل ردود فعل الأسد ونتنياهو على الخطة الأمريكية. فهو لا يدّعي أن الجهد كان لا محالة يتّجه نحو النجاح، ولا ينكر احتمال أن أحد الطرفين أو كليهما قد قفز من القطار قبل الوصول إلى الوجهة المُحدّدة.
على أي حال، تم إيقاف الجهود بسبب اندلاع الثورة في سورية في شهر آذار/ مارس 2011. ونتيجة للحرب، أصبح الأسد حاكماً غير شرعي في نظر العالم، بما في ذلك إسرائيل، على أنه مجرم حرب قتل نحو نصف مليون من مواطنيه واستخدم السلاح الكيماوي ضدهم، وأُزيل موضوع الاتفاق الإسرائيلي السوري من جدول الأعمال، على الأقل لعدد كبير من السنوات.
مع انتهاء جهود الوساطة، ظلّ هوف في إدارة أوباما، وأصبح سفيراً، ونسّق مع السفير السابق في دمشق، روبرت فورد، السياسة الأمريكية في سورية.
لقد أحرقت سياسة أوباما الدبلوماسيين، خاصة عندما قرّر أوباما في عام 2013 في اللحظة الأخيرة عدم مهاجمة النظام السوري بعد استخدامه المُكثّف للأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين، والذي كان قد وصفه قبل عام بأنه “خط أحمر”.
ومن المفارقات، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له يد في منع أوباما من ضرب النظام، من خلال الوعد بأنه سيقضي على مخزونه من الأسلحة الكيماوية.
وغنيٌّ عن القول أن هذا الوعد تم الوفاء به جزئياً واستمرّ الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في السنوات التالية.
في عام 2015، شجّع تردّد أوباما بوتين وتدخّل الأخير بشكل مباشر في الحرب في سورية. وبالتعاون مع إيران قلب الموازين لصالح الأسد.
وفي الوقت الحاضر، عندما يخوض بوتين حرباً قاسية مع جارته (أوكرانيا)، يقصف أهدافاً مدنية ويدمر أحياء سكنية، من الصعب عدم رؤية الصلة بين التدخل الروسي في سورية والأزمة الحالية في أوكرانيا.
على أية حال، هوف، مثل السفير فورد، أُصيب بخيبة أمل من طريقة تعامُل إدارة أوباما مع سورية. استقال كلاهما وأصبحا منتقدين صريحين لأوباما وسياسته. وتم التعبير عن هذا النقد بشكل صارخ في كتاب هوف أيضاً.
“نداء بوست”