لا يكتفي عادلي بأحكامه النافية، بل يقدّم أطروحات عديدة شارحة للنموذج القائم. أولها، “متلازمة غياب الوسط”، حيث يبين أن اللاعبين في السوق منقسمون بين أعمال شديدة الضخامة، وغالبية ساحقة من الأعمال متناهية الصغر، حيث إن 94% من الأعمال في مصر توظّف أقل من خمسة عمّال، فيما لا تتجاوز الأعمال متوسطة الحجم نسبة 1%. يفرد الكتاب فصلاً للنظام المصرفي في مصر، وآخر لأراضي مصر الصحراوية، ليحلّل المؤسسات والعمليات المسؤولة عن عملية التهميش تلك التي لا تمنع الولوج إلى السوق بالضرورة لكنها تجعل مسألة التوسّع والنمو شبه مستحيلة.
وانطلاقاً من فرضية ترى أن الرأسمالية بإمكانها التعايش في سياقات وبيئات مختلفة، وقناعة بوجود نماذج متعدّدة منها في البلد الواحد، في الوقت ذاته، يرسم عادلي مخططاً لـ”الرأسمالية المهشّمة”. فبحسبه، أنتجت عملية صناعة السوق، ظرفاً مؤسسياً تتعايش فيه نماذج أعمال متعدّدة يلعب فيها الفاعلون الاقتصاديون بحسب قواعد وأعراف مختلفة. إذن، فالفوارق بين الأعمال في مصر ليست فقط بمعيار الحجم، بل بحسب القواعد التي تلعب بها، من توافر المدخلات ورأس المال والعلاقة بالدولة والتفاعل بين الأعمال بعضها مع بعض.
يقسّم الكتاب “الرأسمالية المهشّمة” إلى ثلاثة أنظمة متعايشة: الرأسمالية البلدية، والرأسمالية المتأنقة أو “الشيك” كما يسميها الكتاب، ورأسمالية المحسوبية. طبيعة كل واحدة من تلك الرأسماليات، يمكن فهمها من مخطط توضيحي لمثلث بثلاث رؤوس هي: السياسي والاقتصادي والاجتماعي. الرأسمالية البلدية تتميز بتقارب الاجتماعي مع الاقتصادي، ورأسمالية المحاسيب هي اندماج الاقتصادي مع السياسي، أما الرأسمالية المتأنقة فيتمايز فيها الاقتصادي عن كل من السياسي والاقتصادي.
في المحصلة النهائية، يمكن التشكيك في المثلث التوضيحي الذي استخدمه عادلي: فهل حقاً يمكن الفصل بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والتعامل معها كمفاهيم مستقلة بذاتها في الواقع العملي؟ أليس “السوق هو ما أنتج الدولة في الغرب” مثلاً كما يقول في فقرة متقدّمة من الكتاب؟ لكن، بغض النظر عن ذلك، تبدو استثنائية كتاب عادلي في تفكيكه للخطاب السائد عن العلاقة المختزلة والآلية بين تغيير النظام السياسي وإصلاح الاقتصاد، وفي تشديده على عدم الحاجة للبحث عن نقائص المنظومة القائمة طبقاً لمعايير مثالية جاهزة، بل التركيز على الواقع القائم بوصفه الميدان الرئيس للاستيعاب والتحليل.
(*) الكتاب منشور بالإنكليزية العام 2020 عن دار جامعة ستانفورد.