تحولات جيو استراتيجية وانعطافات إقليمية حادة تمضي بها إدارة جو بايدن عنوانها الأكبر تصحيح العلاقة مع الخليج والعودة إلى الأسس التقليدية للسياسة الأميركية في المنطقة، إنما بما يوظف أولويات البناء على تراجع روسيا، منافسة الصين ويخدم الصورة الداخلية.
هذه التحولات لخصتها هذا الأسبوع مجموعة من التنازلات والمقايضات في سياسات أميركية تمتد من طهران الى جزيرة تيران المصرية:
1- أولا تراجع واشنطن عن فكرة رفع الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب وكجزء من تنازلات لإيران بعد العودة للاتفاق النووي. التراجع عن رفع الحرس الثوري عن الإرهاب كما سربته “بوليتيكو”، يريح العواصم الخليجية وخصوصا الرياض والمنامة وأبو ظبي، رغم أنه يقلل من فرص العودة إلى الاتفاق النووي وبالتالي يضع واشنطن والمنطقة أمام أسئلة محورية حول برنامج إيران النووي.
2- هدنة اليمن التي سيتم على الأرجح تجديدها في 2 يونيو، ولو لفترة ثلاثة أشهر، إنما هي تعكس بداية التقارب السعودي-الأميركي-الإماراتي وامكانية العمل المشترك.
3- زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن والاجتماع به على المستوى الوزاري من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الى وزيري الدفاع والخارجية لويد أوستن وأنتوني بلينكن الأسبوع الفائت.
4- زيارة مسؤولي البيت الأبيض والخارجية الأميركية بريت ماكغورك وآموس هوشستين إلى الرياض هذا الأسبوع لدرس طلب واشنطن من الرياض بشأن زيادة إنتاج النفط.
كل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي يرسخ قرارا أميركيا بالانعطاف الإقليمي وتصحيح العلاقة مع السعودية من باب تجميد المفاوضات مع إيران، وضمان معادلة مع الرياض تفيد بايدن داخليا واستراتيجيا واقتصاديا.
اليوم المقايضات الأميركية-السعودية تتلخص بما يلي:
واشنطن تريد من السعودية زيادة إنتاج النفط قبل الانتخابات النصفية الأميركية في نوفمبر، والابتعاد أمنيا واقتصاديا عن المحور الروسي-الصيني. بالمقابل، الرياض تريد من واشنطن ضمانات دفاعية وأمنية، التعاطي المباشر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واستمرار الضغط على إيران.
هذه المعادلة وحدها لا تكفي لتسويق زيارة بايدن للمملكة وبالتالي يتم التفاوض بشأن اختراق سياسي يتمثل اليوم بمفاوضات أميركية غير مباشرة بين السعودية وإسرائيل ومصر حول جزيرتي تيران وصنافير، التي إن نجحت يمكن أن تكون خطوة أولى على طريق انهاء حالة العداء بين السعودية وإسرائيل.
وذكرت خمسة مصادر أميركية وإسرائيلية لموقع “أكسيوس” أن الاتفاق يتضمن إنهاء نقل جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية، إنما مع ترتيبات مع إسرائيل نظرا للأهمية الأمنية والتجارية للجزر.
الحديث عن هكذا صفقة يتزامن أيضا مع إعلان واشنطن لبيع أسلحة لمصر في الأسبوع الأخير تتجاوز الـ3 مليار دولار وتتضمن صواريخ تاو وطائرات تشنهوك. هل هذا تنازل لتمرير صفقة الجزر؟ التوقيت والسرعة لا يمكن أن يكون من باب المصادفة.
المفاوضات جارية على عدة خطوط وقنوات اليوم والسعودية تحمل مفاتيح نجاحها نظرا لحاجة بايدن الماسة لخفض سعر النفط، ولعدم استعجال الرياض في ملفات أخرى ترتبط بإسرائيل.
نجاح هذه المفاوضات سيعني زيارة بايدن للسعودية خلال أسابيع ولقاء مباشر مع ولي العهد بما يطوي صفحة التأزم بين الرجلين، إنما فقط بعد تنازلات سعودية في ملف النفط والعلاقة الدفاعية مع الصين والتجارية مع روسيا.
إدارة بايدن ترى أن سياسات العام الأول للعودة للاتفاق مع إيران والضغط على السعودية فشلت على أرض الواقع، وبالتالي تنعطف وتدرك أن هناك فرصة لعودتها كاللاعب الأبرز الدولي إقليميا أمام تخبط فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وعدم قدرة الصين على منافسة الآلة العسكرية الأميركية في المنطقة.
“الحرة”