عندما تقول إيران بأنها ستردُّ بعد كل عملية تقوم بها إسرائيل ضدها، فهي تعتبر دعم المقاومة في قطاع غزة، أحد أشكال هذا الرّد، من خلال تطوير قدراتها العسكرية مثل صناعة الصواريخ القادرة على تشويش سير الحياة الطبيعي في مناطق واسعة داخل الخط الأخضر، في حال اشتعال مواجهة عسكرية، كما حدث في العام الماضي، ومن خلال المعلومات الاستخباراتية، وهذا يمنح المقاومة قدرة أكبر على المناورة.
وقد برز هذا الإنجاز المخابراتي، خلال مواجهة أيار/مايو السّنة الماضية في ما سميت بمعركة «سيف القدس»، في ليلة أعلن فيها بنيامين نتنياهو في آخر أيام حكومته، أن حماس تلقّت ضربة قوية جدا، وقال «سوف يعرفون غداً مدى الكارثة التي حلَّت بهم». انتظر الشعب في إسرائيل ومتابعو الأخبار حجم الكارثة، لكن، لم يكن الأمر كما وعد، رغم بعض الخسائر.
كانت الخطة الإسرائيلية هي التسريب لوسائل إعلام عن نية الجيش الإسرائيلي التقدّم برَّا داخل القطاع، وذلك لدفع المقاومين إلى دخول الأنفاق بالمئات، انتظارا لطوابير الدبابات لاصطيادها، ومن ثم قصف الأنفاق بقنابل ضخمة وهدمها على من فيها، لكن يبدو أن هناك من كان متيقّظا ومتابعا، وكشف الخطّة، وفشلت العملية التي بشّر بها نتنياهو، الذي يستقي معلوماته من قيادة الجيش، فقد قُصفت الأنفاق بقنابل ضخمة لكنها كانت فارغة، ويبدو أن هذا بفضل الخبرة المتراكمة لدى المقاومة، وبدعم من حزب الله وإيران، وكان هذا مكان شكر من قبل إسماعيل هنية للدول الداعمة، حيث خصّ الجمهورية الإسلامية ورفع يده بالتحية لها، ثم خصّ مصر وقطر بالشكر على الجهود الدبلوماسية. في تبادل التهديدات إبان مسيرة الأعلام للمستوطنين في القدس في مايو الأخير واحتمال نشوب مواجهة، قال محمد السِّنوار أحد قادة الجناح العسكري لحماس، إنّ غرفة عمليات مشتركة أقيمت خلال معركة «سيف القدس» ضمت ضباطا من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله إلى جانب المقاومة في قطاع غزة. من جانبها تحاول إيران جعل المقاومة مرتبطة بها كليًّا، كما هو حال حزب الله اللبناني، مستغلّة الوضع العربي الضعيف، الذي يتميّز بالبرود تجاه المقاومة، بل يعتبرها البعض خطراً عليه ويناصبها العداء. في هذا الواقع، تسعى حماس لاستعادة العلاقات مع النظام السوري، بعد قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات منذ اتخاذها موقفا مؤيّدا للثورة السورية.
لا أحد يستطيع أن يزايد على حماس، بما في ذلك من يختلفون مع فكرها، فقد دفعت ثمناً باهظاً من خيرة كوادرها وقياداتها، وسجون الاحتلال تكتظ بأسراها.
موقف حماس من النظام السوري نابع من معادلة نشأت في واقعها، وهي أنه لا يمكن أن تكون صديقاً لإيران وتتلقى دعمها العسكري والمادي وفي الوقت ذاته أن تكون مقاطعاً لنظام تعتبره إيران حليفها الأساسي في المنطقة، الذي وقفت إلى جانبه خلال انتفاضة الشعب السّوري، وأوقفته على ساقيه، وهو الذي كان قد دعمها خلال حربها مع العراق 1980-1988. حماس في اعتمادها بشكل كبير على إيران، تجد نفسها مرغمة على تعديل موقفها من النظام السوري وتطبيع العلاقات معه، خصوصاً وأن هناك أصواتاً عربية كثيرة، باتت تطالب بعودة النظام إلى الجامعة العربية، وتطبيع العلاقات معه. حماس تدرك عمق جرائم النظام بحق شعبه، وخصوصاً بحق مجموعات الإخوان المسلمين في سوريا التي تنتمي حماس إليها، والنّظام يدرك أن حماس وغيرها ممن يتحسسون الطريق للتطبيع معه ويلوّحون له، ليس حبّاً به ولا اعترافاً بأحقيته في حكم بلده، ولا بصدقيّته، بل لأن الظروف تجبر البعض على الانحناء وتقديم تنازلات، وهذه علاقات مشروعة ومفهومة في السّياسة لدى الجميع، خصوصاً في منطقة كثيرة التقلبات، تلتقي أو تتعارض المصالح فيها بسرعة كبيرة. حماس شأنها بهذا شأن الدول التي تسعى وراء مصالحها، حتى حين يكون هذا متعارضاً مع قناعاتها الأيديولوجية المعلنة، إذ يجري تطويع الأيديولوجيا إلى حساب المصالح بمختلف أشكالها. لا شك في أن ملايين السوريين ينظرون إلى تطبيع العلاقات مع النظام من أي طرف كان، نظرات فيها حسرة وألم، خصوصاً عندما يكون هذا التطبيع من جهة فلسطينية مقاوِمة ولها تضحياتها، بينما فيديوهات مجازر النظام وزبانيته تصرخ من هول الجرائم وشدّة الظلم حتى السّماء.
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”