نشرت مجلة “سبكتاتور” البريطانية مقالا للصحافي الإسرائيلي أنشيل بيفر تناول فيه التحالف الغريب الناشيء بين تركيا وإسرائيل. وقال إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أصدر ليلة الجمعة التي تتوقف فيها الحكومة الإسرائيلية عن العمل تحضيرا لعطلة السبت، نداءا طارئا وموجزا عن هجوم “محتوم” على السياح الإسرائيليين في اسطنبول. وطلب من الإسرائيليين في تركيا البقاء في غرف الفنادق خشية تعرضهم للإغتيال على يد عملاء إيرانيين. ولم يحدث أي هجوم في تلك الليلة لكن التهديد على الإسرائيليين في تركيا لم يتغير.
ويرى الكاتب أن الحرس الثوري الإيراني أصبح وبشكل متزايد غاضبا من عمليات الإغتيال التي نفذها عملاء الموساد في داخل إيران وقرر أن أفضل وأسهل طريقة للإنتقام هي استهداف ألاف من الإسرائيليين في اسطنبول، وهو ما أكدته المخابرات الإسرائيلية والتركية.
ويرى أن هذا الأمر ليس غريبا كما يبدو، فإيران لها حدود مع تركيا ويمكن لمواطنيها السفر إليها بدون تأشيرة ولديها حضور أمني واضح هناك. وتقوم وعلى مدى السنوات الماضية باغتيال واختطاف المعارضين للنظام الإيراني على التراب التركي. ويعتقد أن إيران تقف وراء اختفاء الصحافي الإيراني المعارض محمد باقر مرادي الذي لجأ إلى تركيا منذ تسعة أعوام.
ويقول إن التحدي الذي يواجه الخدمات الأمنية التركية والإسرائيلية ليس العدد الكبير لحمايته (فتركيا تعتبر الوجهة المفضلة للسياح الإسرائيليين) ولكن القاتل قد لا يكون عميلا إيرانيا، فهناك أخبار في شوارع اسطنبول التي يعيش فيها 15 مليون نسمة بمن فيهم لاجئون ومهاجرون أن هناك مكافأة لمن يقتل إسرائيليا، فأي عملية يمكن لمسلح متجول يبحث عن هدف القيام بها. ولا تزال اسطنبول مركزا لتهريب المتطوعين إلى تنظيم الدولة في سوريا. وكانت حتى وقت قريب مركزا لحماس قبل أن تحد الحكومة التركية من حريتهم.
ومع تصاعد حرب الظل بين إسرائيل وإيران وانهيار حكومة نفتالي بينيت، فإن أهم تطور حصل هي التقارب الحذر بين إسرائيل وتركيا. وبعد صدمة ليلة الجمعة مثلا، اتصل الرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتزوغ مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكي يشكره على التعاون. وأضاف أن مسؤولين في الإستخبارات الإسرائيلية قاموا في الفترة الاخيرة بزيارات متعددة لتركيا.
الحرس الثوري الإيراني أصبح وبشكل متزايد غاضبا من عمليات الإغتيال التي نفذها عملاء الموساد في داخل إيران وقرر أن أفضل وأسهل طريقة للإنتقام هي استهداف الإسرائيليين في اسطنبول
لكن العلاقات الإستخباراتية بين البلدين وإن تبدو ودية إلا أنها تظل حذرة. فلم ينس الموساد كيف قامت خدمة الإستخبارات التركية “أم أي تي” قبل عقد بإخبار الإيرانيين عن هوية المصادر داخل إيران والتي تلتقي مع عملاء الموساد في تركيا. والرجل الذي قدم المعلومات للإيرانيين هو مدير المخابرات حقان فيدان، المقرب من أردوغان والذي تسخر منه الموساد بوصفه “مدير محطة الإستخبارات الإيرانية في أنقرة”، ويواصل عمله كمدير للمخابرات التركية ويتعاون الآن مع إسرائيل. ويقول الكاتب إن المسؤولين الإسرائيليين يعون هذا الأمر و”لا أحد لديه وهم أن أردوغاون وفيدان انضما إلى الحركة الصهيونية”، ولدى إسرائيل تجربة طويلة مع أردوغان، فالدبلوماسيون الذين تعاملوا معه في التسعينات عندما كان عمدة لاسطنبول شعروا أنه يرغب بعلاقات جيدة، وكل هذا تغير عندما أصبح رئيسا للوزراء عام 2003 ورئيسا عام 2014. وفي ظل أردوغان، انتهى التحالف القوي بين تركيا وإسرائيل الذي ظل على مدى نصف قرن. واعتبر نفسه زعيما للعالم الإسلامي وتبنى القضية الفلسطينية واتهم إسرائيل بارتكاب إبادة في غزة.
وأنشأت إسرائيل تحالفا جديدا منافسا مع كل من اليونان وقبرص ونظمت مناورات عسكرية ودراسة مد أنابيب غاز بمياه شرق المتوسط. وطورت إسرائيل علاقاتها مع دول عربية أخرى لا وقت لها للرئيس التركي. وكان دعمه للإخوان المسلمين سببا في عداء مصر ودول عربية له التي رأت فيهم المحركين للربيع العربي. ولهذا وجد نفسه معزولا، وفشل في اللعب على التناقض الأمريكي- الروسي. وعندما اشترى منظومة الصواريخ الروسية أس-400 أخرجه الأمريكيون من صفقة صواريخ أف-35 المتقدمة. ولهذا السبب كان أردوغان بحاجة لتغيير استراتيجيته. وجاء توقيت هذا التحالف الحذر جيدا لإسرائيل أيضا. فقد غيرت حكومة بينيت استراتيجيتها من إيران وصعدت الحرب التي أسمتها “عقيدة الأخطبوط” التي تستهدف النظام الإيراني إلى جانب البرنامج النووي “الرأس وليس المخالب”. وحصل هجوم على قاعدة للطائرات المسيرة في منطقة كرمنشاه في شباط/فبراير واغتيال لمسؤولين في الحرس الثوري ممن لهم علاقة مع الجماعات الوكيلة في الخارج. ومن بين هؤلاء يعتبر صياد خدايي، نائب وحدة خاصة في الحرس الثوري متخصصة في العمليات الدولية، الهدف الأكبر وهو ما زاد من رغبة الحرس في الإنتقام.
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الهجمات لكن المسؤولين كانوا صريحين في إيجازاتهم “من المهم أن يعرف كل طرف في المنطقة، اعداؤنا وحلفاؤنا أن إيران لم تعد محصنة وهي تخطط لهجوم ضدنا من الدول الجارة”، حسب مسؤول أخبر الكاتب. وقاد هذا إلى شك على مستوى عال من أي وفاة غامضة في انفجار بإيران مثل وفاة عالمين، أحدهما له علاقة بالبرنامج النووي والثاني يعمل بتطوير المسيرات، في عملية تسميم طعام منفصلتين. و بحسب الكاتب تؤكد المصادر الإسرائيلية “أنه يجب توقع المزيد من تآكل البنية التحتية الإيرانية والإنفجارات في محطات الطاقة والمصانع والوفاة الغامضة الناجمة عن تسمم الطعام، إضافة إلى إعدامات وانتحار لضباط حملوا مسؤولية الخروق الامنية، وإسرائيل ليست الوحيدة بين أعداء إيران، وكما هي مصلحة إيران بزرع الخوف والغموض بين الإسرائيليين في تركيا فمن مصلحة إسرائيل ترك الإيرانيين في حالة ترقب”.
“القدس العربي”