دخول «تحرير الشام» إلى عفرين كشف حجم الصراع بين «الجبهة الشامية» وباقي فصائل الجيش الوطني والتي تراجعت أمام «تحرير الشام» مفضلة النأي بالنفس في معركة لا تعتبرها معركتها.
تعرضت «الجبهة الشامية» إلى هزة كبيرة، طرحت علامات استفهام حول حقيقة قوتها بوصفها الفصيل الأكبر في الجيش الوطني السوري المعارض والمنتشرة في منطقتي عفرين وريف حلب الشمالي. جاء ذلك بعد فشلها وباقي الفصائل في وقف دخول أرتال عسكرية تتبع إلى هيئة «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) وحركة أحرار الشام الإسلامية الموالية لها في إدلب.
وتعزى أسباب الاقتال بين الجبهة الشامية والفرقة 32 إلى خروج الأخيرة من تشكيل الفيلق الثالث الذي تهيمن عليه «الشامية» ويضم إلى جانبها «جيش الإسلام» والفرقة 51 و«فيلق المجد» و«لواء السلام» و«فرقة السلطان ملك شاه».
وترفض «الجبهة الشامية» خروج الفرقة والتحاقها بحركة «أحرار الشام» وتتهمها بعدم تطبيق قرارات اللجنة الوطنية للإصلاح، وهو ما دفع «الشامية» و«جيش الإسلام» لاقتحام عدة قرى تسيطر عليها الفرقة (القطاع الشرقي في أحرار الشام) وأهمها مقر قرية عولان بريف منطقة الباب، إضافة لقريتي عبلة وتل بطال. ووقعت اشتباكات بين الطرفين أدت إلى سقوط ـ سبعة قتلى بينهم ثلاثة مدنيين وأربعة آخرين يتبعون للفصائل وأسر المتحاربون نحو 40 مقاتلا من الطرفين.
ودفع هجوم «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام» حركة «أحرار الشام» التي يقودها حسن صوفان إلى الاستعانة بهيئة «تحرير الشام» ووجد أبو محمد الجولاني الفرصة مواتية لوضع قدم له بريف حلب الشمالي وعفرين. وبالفعل دفع بمئات المقاتلين وعشرات الآليات باتجاه عفرين. وبدأ التحرك بإرسال رتل كبير إلى منطقة الغزاوية التي يسيطر عليها فيلق الشام وهو الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين السورية، حيث انسحب الفيلق ورفع حواجزه أمام آليات القوة المشتركة من «تحرير الشام» و«أحرار الشام» ومنها تقدمت إلى منطقة الباسوطة التي تسيطر عليها «فرقة الحمزة» من دون مقاومة تذكر. وبالمثل دفع الجولاني بقوة كبيرة من منطقة إدلب إلى بلدة جنديرس عبر معبر دير بلوط الذي يسيطر عليه ولم تسجل أي مقاومة تذكر على العكس من ذلك، أفاد مصدر عسكري في الجيش الوطني متواجد في جنديرس باتصال مع «القدس العربي» أن «عدة فصائل انضمت إلى رتل الجولاني» مفضلا عدم ذكرها.
وفي أقل من يوم، سيطرت «تحرير الشام» على منطقة الغزاوية والباسوطة وجنديرس والمحمدية وعين دارة، وتعتبر قرزيحل القرية الوحيدة التي شهدت مقاومة لأرتال المهاجمين، وهي القرية التي يتواجد بها عناصر من «الفيلق الثالث» وبالأخص «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام». عمليا أمسى عناصر «تحرير الشام» على مشارف مدينة عفرين الجنوبية. ومن الواضح أن الجولاني لو أراد السيطرة على مدينة عفرين لفعل بسهولة كبيرة، ولو أراد تجنب دخول عفرين وتهديد «الجبهة الشامية» في معقلها في مدينة اعزاز الحدودية لتقدم إلى مشارف كفرجنة من دون اعتراض يذكر.
وأدى الضغط الذي قام به فصيلا «تحرير الشام» و«أحرار الشام» إلى تراجع «الجبهة الشامية» عن هجومها على القاطع الشرقي للحركة والمعروف في مرتبات الجيش الوطني والفيلق الثالث باسم الفرقة 32 وسلمت قرية غولان والمقر الرئيسي لـ«أحرار الشام» فيه.
وبعد يومين من الحادثة عادت الأرتال العسكرية التابعة للفصيلين إلى التخوم الشرقية الجنوبية لمنطقة عفرين تحديدا في باصوفان وكباشين وبرج حيدر والتي تعتبر نقاط رباط مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ينتشر فيها «فيلق الشام» وهو ما يعيد تكرار نفس الشكوك حول دوره في عدم اتخاذه أي موقف في كل عمليات الاقتتال ضد «جبهة النصرة» بنسخها ومسمياتها المتعددة، على العكس من ذلك يُتهم «الفيلق» المذكور بتسهيل عمليات الهجوم وامداد «النصرة» بالذخيرة في قتالها ضد باقي الفصائل.
وبررت «تحرير الشام» إعادة دخولها المنطقة بعدم وفاء «الجبهة الشامية» بوعودها بإطلاق الأسرى وعلى رأسهم القيادي في حركة «أحرار الشام» والملقب أبو دجانة الكردي، وكانت «الجبهة الشامية» قد أسرته يوم السبت الماضي مع بدء الاقتتال.
وانتهى التوتر والاقتتال بعد تدخل مسؤولي الملف الأتراك والذين وجهوا تحذيرا شديد اللهجة لقائد حركة أحرار الشام، حسن صوفان وقائدها العسكري النقيب المهندس عناد الدرويش أبو المنذر، وهو المقرب من القيادة العسكرية التركية العاملة في إدلب. ونفى مصدر عسكري في الحركة حضور أي ممثل عن هيئة تحرير الشام الاجتماع الذي جرى داخل الأراضي التركية قرب المعبر العسكري في أطمه.
وبالتزامن مع اجتماع أطمه جري اجتماع آخر في القمر العسكري في حور كليس وحضره ممثلون عن قيادة القاطع الشرقي في حركة «أحرار الشام» وقيادة الفيلق الثالث وعلى رأسهم أبو احمد نور، قائد «الجبهة الشامية» و«الفيلق الثالث» وجرى الاتفاق على إطلاق جميع الأسرى ومنهم أبو دجانة الكردي.
وعلمت «القدس العربي» من مصادر عسكرية متقاطعة في أحرار الشام والجيش الوطني السوري المعارض، أن المسولين الأتراك حذروا من مغامرة إدخال عناصر «تحرير الشام» إلى منطقة «غصن الزيتون» معتبرين انه «يهدد الاستقرار» في المنطقة.
في سياق منفصل، لجأت «الجبهة الشامية» إلى المدنيين واختبار حاضنتها الشعبية بعد فشلها في المضي قدما في إفشال خروج الفرقة 32 من «الفيلق الثالث». وحركت «الشامية» مناصريها في عفرين رفضا لدخول هيئة «تحرير الشام» وعلى رأسهم مجلس القبائل الذي تعتبر «الشامية» من أهم داعميه. ورفع المتظاهرون لافتات نددت بـ «تحرير الشام» واصفة إياها بـ«هيئة البغي والإجرام» و «عدوة الثورة».
كما أصدر «المجلس الإسلامي السوري» الأحد، بياناً غاضبا ضد هيئة «تحرير الشام» داعيا إلى الوقوف في وجهها، وعَدَّ التحرك العسكري لهيئة تحرير الشام نحو مناطق الجيش الوطني في الشمال السوري أنه «بغياً محرماً شرعاً بشكل قطعي». وناشد البيان عناصر الهيئة «ألا يكونوا بغاةً ولا جزءاً من هذا العدوان».
ان الاختبار الأخير المتمثل بدخول «تحرير الشام» إلى عفرين كشف حجم الصراع بين «الجبهة الشامية» وباقي فصائل الجيش الوطني والتي تراجعت أمام «تحرير الشام» مفضلة النأي بالنفس في معركة اعتبرتها ليست معركتها، بل فضلت كل تلك الفصائل توجيه رسالة قوية إلى «الجبهة الشامية» مفادها ان هناك فصيلا قادرا على هزيمتها وكسر شوكتها.
واللافت، أن عددا كبيرا من قادة فرقة الحمزة المتواجدين في الباسوطة وعفرين كانوا قد قاتلوا «جبهة النصرة» في عامي 2014 و2015 وهي من تسببت بطردهم إلى تركيا والشمال السوري. إلا أن قرارهم لا ينم عن جبن مطلقا في قتال «الهيئة» بقدر ما أنهم أدركوا الدرس وأن لا قرار سياسيا بإنهاء «تحرير الشام» اضافة إلى كونهم خذلوا في تلك المعارك قبل ثمان سنوات من قبل «الجبهة الشامية» خصوصا في هجوم «النصرة» على حركة حزم في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، حيث وقفت «الشامية» متفرجة على ذبحهم منتظرة تقاسم تركة «حزم» الكبيرة التي كانت مدعومة من أمريكا. وحال مقاتلي حركة نور الدين الزنكي كما هو حال مقاتلي «حزم» فقد تجنبوا الاصطفاف وأن يكونوا رأس حربة في قتال لا يعود عليهم بالنفع مطلقاً.
لا شك ان الهجوم الأخير قد أشعر «الشامية» بضرورة طي صفحة خلافاتها مع باقي الفصائل وهو بالتأكيد سيدفعها إلى مراجعة شاملة، ستنتهي بالتأكيد إلى ان تصبح أكثر طواعية بيد تركيا في نهاية الأمر.
“القدس العربي”