في تنازل وتحول لافت في الموقف الإيراني، تحدث وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، عن ضرورة تبديد المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا «بأسرع وقت وبشكل دائم» في إشارة إلى الحملة العسكرية التركية المرتقبة شمال ســوريا.
وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، في العاصمة أنقرة، إن إيران تتفهم بشكل جيد جداً المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، وطرحها تنفيذ عملية خاصة هناك بالوقت نفسه، مشدداً على أن أمن تركيا من أمن إيران.
وسط قلق طهران من تحولات في علاقات أنقرة مع «الإقليم»
وتحدث عبد اللهيان عن اقتراح تقدم به إلى جاويش أوغلو خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، يشمل خطة عمل وخريطة طريق تصب في إطار تعميق وتحسين العلاقات الثنائية، معرباً عن رغبة طهران في المضي قدماً بهذه الخريطة.
«تعميق العلاقات»
وأكد المسؤول الإيراني، أن طهران قررت تعميق العلاقات مع تركيا في المجالات الأمنية والسياسة والعسكرية والسياحية والثقافية والتاريخية وجميع المجالات التي تهم البلدين، كما بحثا تطوير التعاون في مسألتي الطاقة والكهرباء، وحسب عبد اللهيان فإنهما ناقشا قضايا مثل الشؤون القنصلية وتسليم المجرمين، وزيادة التعاون بين برلماني البلدين، وتطوير التعاون بين الولايات الحدودية بين البلدين، وإنشاء أسواق تجارية، وفقاً لوكالة الأناضول.
وأشار إلى أنه أطلع جاويش أوغلو على تفاصيل زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الأخيرة إلى طهران، وتبادلا الآراء بهذا الخصوص.
ولترجمة التصريح الإيراني وفهم المتغيرات الدولية التي ساهمت في هذا التنازل، وانعكاساته على الملف السوري، اعتبر البرلماني العراقي السابق د.عمر عبد الستار أن التصريح الإيراني هو رد فعل على تحقيق إسرائيل هدف في العلاقة مع تركيا، مقابل خسارة إيران الهدف، وقال في تصريح لـ «القدس العربي» إن «إيران أرادت تعويض هذه الخسارة وعلى ضوئها جاءت هذه التفاهمات».
وأضاف أن «الأحداث الأخيرة التي أشارت إلى تطور العلاقات التركية – الإسرائيلية، وما حصل من استهدافات تحدث عنها الإعلام واعتقالات قامت بها أجهزة الأمن التركية لإيرانيين في تركيا كانوا ينوون استهداف إسرائيليين، هي خلف الرد الإيراني». وكان وزير الخارجية الإسرائيلي قد حذر، في 13 يونيو/ حزيران/ الجاري، الإسرائيليين من السفر إلى تركيا. وللبحث في السياقات التي صاحبت هذا التحول في الموقف الإيراني، أبدى عباس شريفة الباحث لدى مركز مشارق ومغارب اعتقاده بأن تغير الموقف الإيراني يأتي ضمن عدة ظروف، وإن كان مرتبطاً أساساً بزيارة عبد اللهيان إلى العاصمة التركية، أنقرة ولقائه مع وزير الخارجية التركي.
وقال في تصريح لـ «القدس العربي» إن من هذه الظروف «زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومخاوف إيرانية من تطور العلاقات التركية – السعودية، وتأثيرها على إيران ووقوع هذه الأخيرة بحالة من الحصار، أيضاً بسبب تصاعد الهجمات الاسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، وحالة الاستهداف الإسرائيلي والتفكير بأن ثمة مجموعات أمنية إيرانية تعمل في تركيا، لتستهدف الرعايا الإسرائيليين وطلب إسرائيل التوضيح من تركيا لهذه المسألة بالتحديد، فضلاً عن تعثر ملف الاتفاق النووي، وحاجة إيران إلى الدعم التركي، إضافة إلى ملف الطاقة والحرب الأوكرانية، ورغبة إيران بتزويد تركيا بالطـــاقة».
كل هذه الأجواء جعلت إيران تتنازل وتغير تصريحاتها، بعد أن كانت رافضة لأي عملية عسكرية تركية على الأراضي السورية، حيث «أصبحت تتفهم المخاوف والمصالح التركية ولا تمانع من شن هذه الحملة».
واستعبد الباحث السياسي، أن يكون لهذا التحول تأثيرات كبيرة على الملف السوري، لافتاً إلى أن هذا التفاهم الجزئي بين الجانبين الإيراني والتركي على الحملة التركية شمال سوريا «لن يتحول إلى رؤية مشتركة لطبيعة الحل السياسي في سوريا، حيث لازالت تركيا ترى أن الحل السياسي يمر عبر تنفيذ القرارات الدولية وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وتغيير نظام الأسد، بينما ترى إيران أن الحل ببقاء بشار الأسد». وأضاف «لا أعتقد أنه ثمة تفاهمات جوهرية كبيرة بما يخص الملف السوري، إذ أن التفاهمات تخص العلاقات الاقليمية والدولية بشكل أساسي». وبطبيعة الحال، يمكن تعريف ما يجري على الساحة السورية بين الأطراف المتداخلة بأنها تفاهمات مرحلية وليست اتفاقيات نهائية.
الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني وصف لـ «القدس العربي» العلاقة بين تركيا وإيران بالقول «العدو في مكان، هو صديق في مكان آخر، وهو ما ينطبق على العلاقة بين إيران وتركيا، خاصة أن إيران وقبل التدخل التركي في سوريا لا يمكن اعتبارها بمستوى غيرها من الدول المتدخلة.. روسيا وتركيا وأمريكا، ولا تصل إلى مستوى منع أو قبول عمل عسكري لطرف من الأطراف، فعملية نبع السلام تمت بتوافق تركي أمريكي روسي بمعزل عنها، وبالتالي إن إي إضعاف لإيران في سوريا هو لصالح المسألة السورية، وهو أمر يعززه الإجماع الدولي على تحجيم نفوذها في سوريا والمنطقة بشكل عام.
ولتحديد أسباب التحول في الموقف الإيراني من العملية العسكرية التركية التي جدد الرئيس التركي يوم أمس عزمه قوات بلاده على تنفيذها يقول الحوراني:
1- ميزان القوى العسكري بينها وبين تركيا والفصائل التي تدعمها غير متناسب ويميل لصالح تركيا، واستهداف عربة المبيت في أيار الماضي التي تقل عناصر لميليشياتها على محاور شمال غربي سوريا هو انفجار للاحتقان التركي – الإيراني في سوريا والذي يشهد حرباً مبطنة بين البلدين بشمال العراق بعملية قفل المخلب، والرسالة التركية الآن أنه لا يجوز التشويش على الخطة التركية التي تم إعلانها وتبنيها من قبل كل الجهات التركية الرسمية، وأن أي تشويش أو تخريب للمنطقة الآمنة تؤثر على مشروع عودة مليون لاجئ سوري في تركيا إلى بلادهم ممنوع.
2- عدم جدية الموقف الروسي الرافض للعملية التركية بسبب مصالح لروسيا مع تركيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وعدم فرض تركيا عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الغزو، وإيران من دون روسيا لا تمتلك قدرة اتخاذ القرار بشن معركة.
3- تهدف إيران من وراء تغيير موقفها على مضض للضغط على «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد – ذات الأكثرية الكردية) التي لم تقدم تنازلات في مفاوضاتها مع النظام. أما «قسد» فإن الموقف الأمريكي منها يتجدد بين الآونة والأخرى من خلال التصريحات التي تصدر عن مسؤولي الإدارة الأمريكية، والتي تفيد بأن الشراكة مع «قسد» هي لمحاربة تنظيم «الدولة – داعش»، وليست شراكة سياسية، ودللت أمريكا على ذلك بأكثر من مرة من خلال تأييدها وتحفيزها لقسد للمضي قدماً في الحوار الكردي – الكردي.
السؤال الأكثر إلحاحاً
وأمام ما تقدم، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً هنا، ما هو مستقبل «قسد» في نهاية المطاف؟ البرلماني العراقي السابق د.عمر عبد الستار رأى أن «قسد» ستكون في المستقبل أمام عمليات احتواء مزدوج من واشنطن لتركيا ولقسد معاً، بعد أن تنضج الأمور بحيث تلتحق قسد بالعملية السياسية المرتقبة في سوريا في وقت لاحق. وحتى نضوج الحل السياسي، رأى الباحث لدى مركز مشارق ومغارب للدراسات الاستراتيجية عباس شريفة أن الأيام المقبلة قد تكون حبلى بحملة عسكرية تستهدف تل رفعت الخارجة عن نطاق الحماية الأمريكية، لاسيما بعد رفع الغطاء الإيراني والروسي.
“القدس العربي”