السياسة نحوياً من الفعل ساس ومضارعه يسوس، وفي الاصطلاح تعرّف بأنها رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية والبحث عن مصالحها وتوزيع النفوذ والقوة في المجتمع، وكذلك العلاقة بين الحاكم والمحكوم، السياسة كما قال عنها عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لاسويل: هي دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا ومتى وكيف، والواقعيون يعرّفون السياسة بأنها فن الممكن أو أن فن الممكن هو سياسة. السياسة أنواع متعددة ومنها الداخلية والخارجية، والأساسية والاقتصادية، وسياسة التكتل والاحتواء.
أما الأدب فمن المتعارف عليه أنه الكلام الجميل البليغ المؤثر الذي يعبر عنه بالكتابة، وفق صياغة تلتزم بعناصر الكتابة أو تتمرد عليها بإبداع متجدد، وهناك من يعتقد أن الفن للفن والأدب للأدب، كما جاء في المذهب البرناسي الذي ينص على أن فوائد الأدب تتلخص في الجمال والمتعة فقط..
نستخلص مما سبق ذكره أن السياسي شخص يمارس عمله من خلال العلاقات مع الآخرين وفق قواعد معينة، قد يعمل من خلال مجموعة أو حزب، العمل السياسي غالباً هو عمل تشاركي يهدف إلى التأثير في صناعة القرار وتحقيق مصالح فردية وجماعية.
الأديب شخص يعبر من خلال الكتابة، هو من ينتج الكتب، الكتابة عمل فردي إلا إذا تشارك مجموعة من الكتّاب في تأليف كتاب. كثير من الأسئلة تخطر على البال عندما نستعرض العلاقة بين الأدب والسياسة، هل السياسة والأدب مجالان مختلفان متناقضان؟ هل هناك تقارب بينهما؟ من يستفيد من الآخر؟ هل يقرأ الساسة الأدب؟ أيهما الأكثر تأثيراً في المجتمعات الإنسانية؟
في البداية لا بد من الإشارة إلى وجهة نظر البعض بأن السياسة مصالح قد يستخدم فيها الكذب والاحتيال، وكل الأساليب الملتوية وأحياناً قد تتطلب المنافع والمصالح التحالف مع القوى الإمبريالية والاستبدادية من أجل تحقيق مصالح معينة، بينما الأدب إنساني يعبر بصدق عن معاناة الناس وآلامهم وأحلامهم وتطلعاتهم لحياة أجمل، وبالتالي فإن السياسة والأدب لا يلتقيان، ولا يجوز أن يختلط الأدب بالسياسة.
قراءة الأدب الجيد تسهم بشكل مباشر في تطوير القدرات الفكرية وتوسيع وتعميق النظرة للحياة، بكل ما فيها وهذا ما يحتاجه السياسي، وكذلك يحتاج الأديب للمعرفة بخفايا السياسة، حتى يكتب عن علم ودراية، وبالتالي فالعلاقة بين الأدب والسياسة علاقة تشاركية، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
هذا الرأي واقعي في تحديد الجانب المظلم من العمل السياسي، لكن كيف نستطيع أن نعزل الأدب عن السياسة؟ كيف نكتب دون أن نشير ونلمح إلى الظلم والطغيان وسياسة القوة التي تفرض على الشعوب وتنتهك حرياتها؟
الأديب المبدع مثقف سياسياً، ومتابع لكل ما يحدث على أرض الواقع، وكذلك السياسي الذكي يقرأ الأدب ويستعمله في خطابه حتى يضيف له البلاغة والجمال، فالسياسة دون الأدب سياسة جافة وغير مؤثرة، الأدب المبدع يبحث في الماضي ويغوص في التاريخ ويستخلص العبر والأخطاء ويستشرف المستقبل ليفتح الطريق امام السياسة نحو قرارات سليمة.
لا يجوز أن يعزل الأدب عن السياسة، لأن هذا يحول الأدب إلى كلام جميل للتسلية فقط، الأدب جمال وحرية ومقاومة وهو يشكل خطرا كبيراً على الطغاة والأنظمة الاستبدادية، ولذلك يسعون إلى تدجينه عبر الترغيب والترهيب.
الأدب الجيد في أجناسه المختلفة هو المصدر الفكري الأول للشعوب التي تنشد العدل والإنسانية والحرية، هو الذي يكشف للبشر الحقيقة التي تخفيها وسائل الإعلام والمصالح السياسة، الأدب الفلسطيني المقاوم الذي يتجلى في روايات وقصص كنفاني وشعر محمود درويش، وغيرهما الكثير من المبدعين والمبدعات هو الذي فضح الاحتلال وسياساته العنصرية البغيضة، الرواية العربية عموماً رفضت وقاومت وفضحت القهر السياسي وصورت أساليب القمع والقتل والتعذيب الذي مارسه الاستعمار وبعض الأنظمة التي تولت الحكم بعد رحيله.
تحضرني هنا رواية «بين القصرين» لنجيب محفوظ، حيث يقول الشيخ متولي أحد شخصيات الرواية «الإنكليز لن يخرجوا من مصر إلا بالقتال وليس بالوفود المسافرة إلى الخارج».
قراءة الأدب الجيد تسهم بشكل مباشر في تطوير القدرات الفكرية وتوسيع وتعميق النظرة للحياة، بكل ما فيها وهذا ما يحتاجه السياسي، وكذلك يحتاج الأديب للمعرفة بخفايا السياسة، حتى يكتب عن علم ودراية، وبالتالي فالعلاقة بين الأدب والسياسة علاقة تشاركية، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
كاتب أردني
“القدس العربي”