من المقرر أن تُعقد اليوم في القاهرة الجلسة الأولى لمجلس أمناء الحوار الوطني، الذي كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد دعا إليه أواخر نيسان/ أبريل الماضي، في غمرة ضربة أولى تلقاها الاجتماع من السيسي نفسه، الذي قال إن الحوار يشمل القوى السياسية كافة ومعها النقابات والأحزاب والمفكرين، ولكن «باستثناء فصيل واحد» لم يحدده بالاسم ولكن من المفهوم أنه جماعة الإخوان المسلمين.
ويأتي هذا الإقصاء على نقيض معطيات راسخة تشير إلى وجود سياسي فاعل للإسلاميين عموماً وللإخوان خصوصاً في الحياة السياسية المصرية، بصرف النظر عن مقادير الاتفاق أو الاختلاف مع نهج الجماعة وخياراتها، كما يناقض قاعدة مركزية في عمل مجلس أمناء الحوار تقول بوضوح إنه «سيتم دعوة جميع ممثلي المجتمع المصري، بكافة فئاته ومؤسساته، لضمان تمثيل جميع الفئات في الحوار المجتمعي، مع مراعاة الوصول إلى جميع مناطق مصر، وبالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار وطني فعال».
عقبة كأداء ثانية هي عدم وفاء أجهزة السلطة بالوعود التي قطعتها بصدد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء قضايا الرأي والحريات العامة، وتهيئة الأجواء الإعلامية التي تتيح إدارة حوار شعبي ومجتمعي حقيقي بعيداً عن القيود والرقابة والمضايقات، والخروج بأوراق عمل محددة الأغراض والميادين والإجراءات والتوصيات. الحصيلة التي سبقت اجتماع الأمناء الأول لا ترقى إلى الآمال المعقودة على الحوار المزعوم، والنقاشات التمهيدية أكدت انقسام القوى المشاركة إلى تيار أول يمثل تطلعات أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني التي تسعى إلى الخروج بتوصيات إصلاحية اجتماعية وسياسية واقتصادية ملموسة، ونهج مؤسسات السلطة والأحزاب الموالية الساعية إلى توظيف الحوار لأغراض تجميل صورة النظام الخارجية والإيحاء بمناخ الانفتاح السياسي وتهدئة مظاهر الاحتجاج الشعبي على تردي الأوضاع المعيشية.
عقبة ثالثة إجرائية خلقتها العهدة إلى الأكاديمية الوطنية للتدريب بالإشراف على الترتيبات اللوجستية الخاصة بإطلاق الحوار، واتخاذ قرارات تعسفية على رأسها تشكيل مجلس الأمناء دون تنسيق كاف مع قوى المعارضة، وتسمية منسق عام للحوار على المنوال ذاته، خلافاً لتفاهمات سابقة حول عدد متساو في المجلس لممثلي السلطة والمعارضة، وكذلك التوافق على شخصية وطنية جامعة ومستقلة تترأس المجلس، الأمر الذي لم تلتزم به الأكاديمية الوطنية لأنها اختارت نقيب الصحافة للرئاسة. وهذه الحال تعكس أيضاً اختلاف تقديرات أجهزة السلطة لقيمة الحوار وجدواه، بين جهاز يراه مفيداً في إلهاء الشعب ومخادعة الرأي العام العالمي والولايات المتحدة بصفة خاصة، وجهاز آخر يرى خطورة في إفساح المجال أمام عودة السياسة إلى الحياة العامة أياً كانت المستويات والميادين.
وليس خافياً أن توقيت الفكرة يتزامن مع آمال النظام المصري في اكتساب رضا الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة بعد تعثر جهود القاهرة لاستضافة بايدن والزعماء العرب في شرم الشيخ بدل الرياض، كما يتطابق مع اجتماعات يعقدها صندوق النقد الدولي في القاهرة ولن يغيب عنها ملف الحريات العامة. وسوف تثبت الجلسات المقبلة ما إذا كان الحوار وطنياً لإصلاح البلد، أم دعائياً لتجميل صورة النظام.