مازلت أقيم بلا أوراق شرعيّة سوى بطاقة أمر المغادرة التي لا أجرؤ حتّى على حملها في جيبي. منتظراً (الفرصة المستحيلة) لمقابلة مدير الأمن العام اللّبناني اللّواء عباس ابراهيم، لأسأله عن سبب أمر التّرحيل الّذي صدر بحقي.
في الحيّ الذي أسكن فيه، أثناء توجّهي إلى البيت، سمعت حديثاً بين امرأتين تسأل إحداهما الأخرى عن بيت للإيجار، بينما تجيبها الأخيرة حرفيّاً: “مستحيل تلاقي، الله وكيلك هاللّاجئين السّوريّين ما خلو بيت فاضي بهالبلد، وين ما تتطلعي حواليكي بتلاقي واحد”.
قالتها بكل قرف، وبصوت عال دون تحرّج من أن يسمعها أحد. شعور هائل بالذّلّ اجتاحني في لحظتها، ضاعف منه عجزي بسبب أنّني لاجئ، عن مقاطعة حديثهما والدّفاع عن نفسي.
كلامها شملني بطريقة غير مباشرة.
كثرة استخدام هذه المفردة في الحياة اليوميّة، أفقدها معناها الأساسي. وتحوّلت في كثير من الأوقات إلى شتيمة. حتى في مواقف الشّفقة والحزن على حال اللّاجئين، تكون هذه الكلمة ثقيلة على مسامعنا. كأن نسمع عبارة “حرام هدول لاجئين” أو ” الله يعينهم هاللّاجئين ويردّهم على بلادهم”.
ما هي مشكلة الحكومة اللّبنانيّة مع اللّاجئين؟
مشكلة اقتصاديّة! أجل هذه هي مشكلتها الأساسيّة معنا، فنحن من منظور الحكومة نشكل عبئاً على نظامها الاقتصادي، وكأنّنا نأخذ رواتبنا من خزينتها. أو نعيش هنا على حسابها. كلّ ما قدّمته الحكومات في كل البلدان العربيّة دون استثناء، هو الصّبر على مضض لوجودنا داخل حدود دولهم. وهذا الصّبر لم يكن ليستمر لولا المبالغ الطّائلة الّتي تُدفع من قبل المنظّمات الأمميّة لحماية اللّاجئين وإبقائهم في دول اللجوء. ولو أردت التعبير عن ذلك بلغة قريبة من النّاس لحاولت صياغة القضيّة في عبارة قصيرة جدّاً قد يقولها المسؤولون في سرّهم للدّفاع عن موقفهم تجاه االلّاجئين “طالما في تمويل ودعم، فيا أهلاً وسهلأ” . وهذا ما تشير إليه تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في خطابه الأخير وقد بدأنا نلحظ ترجمته الواضحة على الأرض من خلال حواجز مكثّفة لاستخبارات الجيش والقوى الأمنيّة، تعمل على توقيف اللّاجئين السوريين واعتقالهم بذريعة عدم امتلاكهم أوراقاً تثبت إقامتهم الشّرعيّة في لبنان. وهذه المرّة تتضّح المخاوف من تطوّر أهداف هذه الحملة، وصولاً إلى عمليّة الترحيل القسري، أي تسليم مواطنين سوريين هربوا من نظام بلادهم الّذي لا يفهم سوى لغة الاعتقال وإعادتهم إليه. وقد حصل ذلك فعلاً منذ عدّة أسابيع، حيث قامت القوّات الأمنيّة على الجانب السوري باعتقال أربعة عشر شابّاً، عادوا إلى سوريا طواعيةً، مُعتقدين أنّ النّظام السوري سيفي بوعوده المتعلّقة بعدم المساس بالعائدين إلى حضن الوطن.