
يوجد تناقضية صارخة في الثورة السورية، من حيث زخمها كحراك شعبي، وقلة تعبيرية، تصل للانعدام في صياغة شكل أدبي (رواية ،قصة،شعر،….)، يعبر عنها، و يمنحها لغة تكون واجهة لهذا الزحم الشعبي. ففي هذا المجال يقول أليكسيس دو توكفيل، في معرض حديثه عن تأثير الأدب في الخطاب السياسي في القرن التاسع عشر، إن ” اللغة المستعملة في السياسة {استلهمت} نفسها شيئاً ما من اللغة التي كان يتكلم بها المؤلفون”.
عادة الصراعات و الحروب تعطي زخما للأديب، في إمكانية التعبير لا تتوافر في الشروط الطبيعية للحياة. فينتج أدباً استثنائياً، كاستثنائية ظروفه .
هذه الاستثنائية تحتاج أيضاً إلى شخصيات استثنائية ،في تعاملها مع الواقع، و طريقة إعادة تركيبه مرة أخرى، بشكل أدبي ،يصلح أن يكون وثيقة تاريخية و فنية بنفس الوقت، للكاتب ولما كتب عنه.
أكثر من تصدى للأدب في سورية لم يتجاوزوا التقريرية في الوصف، ولغة الأخبار الصحفية في التحليل .
التقريرية والإخبارية هي لغة العوام في تعبيرهم عما يجري ،و هذه اللغة لا يخلدها التاريخ ،حتى و إن كتبت به، وخرجت من حيز المشافهة.
قد يعتد بها كوثيقة تاريخية، مثلها مثل أي أثر أركيولوجي يتركه الانسان خلفه، ان كان هذا الأثر حذاء أو غير ذلك، يعبر عن تلك المرحلة.
أما أن يعتبر شكلاً أدبياً، فهنا الإشكال.
الشكل الأدبي ليخلده التاريخ عليه أن يتجاوز التاريخ، في كل قراءة له، من حيث امكانية التأويل، و الإسقاط على حاضر لمستقبل لم يأت بعد .
اما اللغة المستخدمة حالياً فلا تصلح أن تكون لغة أدب، ولا معبرة عن الأدباء.
فإمكانية ممارسة العويل و الصراخ اسمها تضخم الأنا ( تورم )، وليس أدباً. الكارثة أن يتم توهم أن هذه العويلية يطلق عليها أدباً
عندما تتأثر لغة الخطاب السياسي بلغة الادب، وقتها نستطيع أن نقول إن الثورة السورية أنتجت أدباً.
للخروج من حالة الانسداد هذه، تطرح الباحثة الفرنسية (لوبا يورغانسن ) طرحاً يستحق أن يتحول لشروط للكتابة، ليس الأدبية منها فقط، بل كل إمكانية للكتابة بشكل عام ،فهي تفترض( أننا نكتب أي كتاب مرتين أو أكثر؛ المرة الأولى كتابة ذهنية والمرة الثانية كمخطوط بالشكل المتعارف عليه. الكتابة الذهية شاقة ومضنية ولا يتقنها إلا من تماهت روحه مع الحدث المُلْهم لأنها تشكل البرزخ الذي يُمنح فيه العمل الأدبي روحه وشكله.) ضمن افتراضية يورغانسن لا نستطيع أن نطلق على الكثير مما كتب في سورية تحت يافطة الأدب، بأنه من الأدب، بل مجرد سردية جنائزية “عجائزية”،من حيث استعجالية الندب”التوثيق”، وطفولية نزقة، في تجاوزيتها لإمكانية النقد .
طبعاً شروط يورغانسن الافتراضية غير قابلة للتحقق في امكانية التنفيذ(كقرار يقرره الكاتب) فهي شروط ذاتوية،جداً، لها علاقة بالجانب الإبداعي لدى الكاتب، و ليس لها علاقة بإمكانية التعلم، كالرياضيات من حيث استنادها لمقدمات تعطي نتائج شبه واضحة. اما امكانية التحقق فيبدو لها علاقة ببعد اجتماعي يحققه المجتمع إما عبر دعمه للأدب(مجتمعات مستقرة).
أو عبر الظروف الاستثنائية التي تنتجها الثورات مثلاّ، و التي من ضمنها تحقيق هذه الافتراضية، عبر تطويفها لفقاعات أشباه المثقفين، من أجل إبراز المثقف الأديب الحقيقي .
فعندما يتم التعامل مع الأدب بشكل احترافي، حتى الهوامش التي تنتج عنه تكون ادباً، طبعاً هوامش الأدب احيانا تكون أهم من الأدب نفسه ،كتأثيره بالخطاب السياسي للشارع.
و ما عدا ذلك فكثرة الرقع على التنك نعم توصل صوتاً له لكنه لا يحتمل تعريفا غير أنه ضجيج.
أما الذهب، فحتى نثارته من الذهب.
* كاتب سوري