عودة العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري هي نتيجة طبيعية ومنطقية وحتمية، للتطورات التي تشهدها المنطقة العربية، والقرار بهذا الصدد متوقع ولن يكون مفاجئاً، بل المفاجئ والمستغرَب هو أن يتصدى رجال دين وعلماء فقه -على فضلهم – لإسداء النصائح والفتاوى في أمور سياسية لا علاقة للدين والشريعة بها.
علاقات التحالف والصداقة ووجود الظهير السياسي والسند الدولي أمر لا غنى عنه لأي حركة سياسية، خاصة إذا كانت تعمل في ظل احتلال وتواجه ظرفاً دولياً وعسكرياً صعباً
ما حدث هو أنَّ قرار الخروج من سوريا في عام 2011 كان خاطئا، وكان ناتجاً عن تقدير موقف متسرع وغير موفق، والحقيقة أن حماس ما كان ينبغي لها في ذلك الحين أن تتبنى أي موقف مما يجري في سوريا، وعندما انزلقت نحو تبني موقف من الأحداث في سوريا، كانت توشك على ارتكاب الخطأ ذاته الذي سبق أن ارتكبته منظمة التحرير في لبنان، خلال سبعينيات القرن الماضي، وحينها سرعان ما أصبحت المنظمة طرفاً في الحرب الأهلية اللبنانية.
الظروف الراهنة في المنطقة العربية تغيرت وتتغير، وما كان يمكن قبوله أو تفهمه قبل عشر سنوات لم يعد كذلك اليوم، لا بل إن الدول العربية التي كانت تُقدم الدعم المالي والعسكري للمقاتلين في سوريا، أصبحت تسعى لاستئناف العلاقات مع النظام السوري، كما أن أغلب الدول العربية (بما فيها دول خليجية) باتت تؤيد عودة سوريا الى الجامعة العربية. أما فيما يتعلق بحركة حماس فقد أصبح واضحاً أن منطقة الشرق الأوسط تنقسم الى معسكرين، الأول أمريكي إسرائيلي ويضم معه دول التطبيع والدول المرتمية في الحضن الصهيوني، بينما الثاني هو «محور المقاومة»، وهو المضاد للمعسكر الأول. وواقع الأمر أن هذه المنطقة ليس فيها أي طرف ثالث ولا معسكر آخر، وعليه فلا تستطيع حركة مثل حماس أن تظل طويلاً خارج هاتين الدائرتين. المهم في هذا السياق هو أن علاقات التحالف السياسي لا تعني بالضرورة أن ثمة تطابقا تاما في المواقف كافة بين الجانبين المتحالفين، وكذلك عودة العلاقات الدافئة وعلاقات التحالف بين حماس ودمشق لا يعني بالضرورة أن كلا منهما يتفق مع الآخر حد التطابق، وهذه واحدة من أصول السياسة ومبادئ العلاقات الدولية، والشواهد التاريخية عليها كثيرة.
خلال سبعينيات القرن الماضي كانت قوى اليسار الفلسطيني تحصل على الدعم المالي والسياسي والعسكري من الاتحاد السوفييتي، بينما كانت موسكو تحتل أفغانستان وترتكب المجازر في شعبها، ولم يُعب أحدٌ على بعض الفلسطينيين تحالفهم مع الاتحاد السوفييتي. وخلال ثمانينيات القرن الماضي كان الإخوان المسلمون السوريون متحالفون مع نظام الرئيس العراقي صدام حسين، بينما كان الأخير يُنكّل ويقمع الإخوان المسلمين العراقيين، ولاحقاً شن حملات قمع وإبادة ضد الأكراد والشيعة وغيرهم من معارضيه، ولم يُنكر على الإخوان السوريين أن يتلقوا الدعم من نظام صدام، كما لم نجد من علماء الدين من يُفتي بتحريم التحالف مع النظام في العراق، بل الأهم من ذلك كله أن حماس ذاتها تحالفت مع النظام السوري في أواخر التسعينيات، وانتقلت قيادتها الى دمشق، وذلك بعد عشر سنوات فقط، أو أكثر بقليل، من أحداث حماة وتدمر، عندما قام النظام السوري بقتل المئات من «الإخوان المسلمين»، ولم يُنكر أحدٌ على حماس ذلك، كما لم يطلب الإخوان المسلمون السوريون أنفسهم من حماس أن تقاطع دمشق، ولم يُنكروا عليها تحالفها معه.
هذه الشواهد وغيرها تؤكد أنَّ علاقات التحالف والصداقة ووجود الظهير السياسي والسند الدولي أمر لا غنى عنه لأي حركة سياسية، خاصة إذا كانت تعمل في ظل احتلال وتواجه ظرفاً دولياً وعسكرياً صعباً وبالغ التعقيد. وعليه فإنَّ استئناف العلاقات بين حماس من جهة، وسوريا وإيران وحزب الله من جهة ثانية، هي نتيجة ضرورية وحتمية للمشهد في المنطقة العربية، خاصة أن حماس راهنت على القوى البديلة المحتملة، لكنها خسرت الرهان، لا بل إن الدول العربية «السُنية» التي تعادي إيران شنت حملات اعتقال وتنكيل ضد كل من يُشتبه في انتمائه لحماس، وصنفت الحركة على أنها منظمة إرهابية، ولم تدع لها أي خيار سوى العودة للتحالف مع طهران ودمشق.
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”