هناك ثورة ذات شكل جديد في الشارع الإيراني , تستخدم اليوتيوب و أجهزة الهاتف النقال , إنها ثورة جدية و مؤثرة بلا شك لكنها على ذات القدر سطحية و فارغة و هامشية بالنسبة للوضع العام في إيران , إنها تريد باختصار إيصال موسوي لقصر الرئاسة كهدف أساسي بل و وحيد تقريبا , تذكر هذه الثورة إلى حد كبير بثورات أوروبا الشرقية على الأنظمة الشمولية و ببعض "الثورات" العابرة التي شهدتها أخيرا بيروت و بلغراد و تبليسي و كييف , ثورات انطفأت بذات السرعة التي اندلعت بها , ثورات قامت حول أهداف سياسية محددة جدا و محدودة جدا في نفس الوقت و انتهت , أو اختفت بمجرد تحققها , هذا يشرح إلى حد كبير الأثر السطحي الذي حققته مثل هذه الثورات , يجب هنا أيضا أن نشير إلى الطابع الطبقي لهذه الثورات التي مثلت حركة مؤقتة عابرة للطبقات الوسطى , البرجوازية الصغيرة وفق التصنيف الماركسي , ثورات "مدينية" أساسا , و إلى حد كبير ثورات "استعراضية" أو "مشهدية" , نسبة إلى المشهد أو الاستعراض spectacle ( راجع مجتمع المشهد Society of Spectacle لغي ديبورد – 1967 ) الشكل الذي يأخذه المجتمع المعاصر منذ أن سيطرت السلعة من خلال الصورة – الأيقونة على الوعي و أنتجت جمهورا غبيا من المتفرجين السلبيين , هذه الحركة العابرة المؤقتة ليست إلا جزءا من هذا المشهد , إنها انتصار المشهد على خصومه الذين فشلوا في الانضمام إلى المشهد العام أو لا تؤهلهم صفاتهم الطبقية و بنية وعيهم و شكل سيطرتهم المجتمعية لمثل هذا الانخراط , تخاض هذه الثورات ليس فقط لصالح المشهد العام , بل من داخله و لتعزيزه و تعزيز سيطرته المطلقة , سيطرة الصور المشهدية التي تصبح مقدسة في ذاتها و كلية و شمولية تماما مثل الإيديولوجيات التي كانت تدعي القداسة قبل أن تسقط على مذبح المشهد و صوره التي انتقلت إليها كل قداسة تلك الإيديولوجيات , مثل معبوديهم الذين يسيطروا بالكامل على الوعي , على الصور , في المشهد , نجوم السينما و الغناء و الرياضيين المحترفين , يحصل المشاركون على الإشباع عن طريق مساهمتهم العلنية في المشهد في تماه مع تلك الأيقونات و في تقليد سلبي لها , كجزء من فاصل مشهدي ما تجري هذه الثورات , أمام الكاميرا , ثورة تقوم على الصور النمطية التي نشرها المشهد المعولم تنزع لتقليد نجم المشهد و تكرار كل ما قيل و كل ما جرى تمثيله و تصويره , و بمجرد انتصار القوى التحتية التي تخدم المشهد و يخدمها هو في نفس الوقت يتحقق الإشباع , كنهاية مرسومة سابقا تكفي بحد ذاتها لاستدرار الصراخ من الجماهير تماما كذروة أغنية بوب أو هدف أحرزه رياضي مشهور , الصراع نمطي ككل الصراعات في الفترة الأخيرة : طاغية شعبوي يتقرب إلى الفقراء البعيدين عن المدينة و عن الاتصال بالمشهد المعولم عبر الانترنت و أطباق الفضائيات من خلال بعض الصور أو المواقف الصورية التي تزعم الوقوف إلى جانب عالمهم , الذي هو في الحقيقة عالم قهرهم و استلابهم , هذا هو شكل الاستلاب قبل المشهدي , الشرقي إن شئتم , الذي مارسه عبد الناصر و ستالين و الذي يمارسه نجاد اليوم , الصراع هو بين الشكل قبل المشهدي من الاستلاب و الشكل المشهدي منه , الذي يزعم تفوقا ما من خلال غلبة صوره تكنولوجيا و على صعيد المشاعر و الرغبات التي يحورها إلى طاقة روحية , إلى وعي زائف , ترتبط بصوره , إنه من حيث الاقتصاد السياسي صراع أشكال القهر و الاضطهاد قبل السلعية مع أشكال الاضطهاد و الاستغلال السلعية , هذا يبرر إلى حد كبير لماذا لم تستطع حركات احتجاجية مثل كفاية أو غيرها تحريك الشارع المقهور إلى درجة الجوع و الاستلاب الكامل المطلق ضد طغاته , لتغيير المشهد لا يجب تطويره تكنولوجيا أو استقدام أشكال سلعية مطورة من المشهد , يجب تدميره , يجب تحطيم صوره و أيقوناته , لا ينجب المشهد إلا متفرجين , و الأشكال أو الصور الأكثر تطورا تنتج أشكال أكثر تعقيدا من الاستلاب فقط , و متفرجين أكثر غباءا , إذا كان المطلوب هو تحويل المتفرجين إلى بشر فاعلين يمارسون حياتهم و يسيطرون عليها بالفعل , هذا يعني شيئا واحدا فقط : تحطيم المشهد و قلب العالم رأسا على عقب……
مازن كم الماز