انزلقت الأوضاع في الجنوب السوري، في كل من درعا والسويداء، إلى مواجهات عنيفة، بين فصائل محلية من جهة، وقوات النظام السوري وأدواتها من جهة أخرى، كما دفعت هذه الأخيرة، الخميس، بتعزيزات عسكرية جديدة إلى محافظة درعا، شملت على دبابات وآليات ثقيلة، في ظل محاولة القوات المهاجمة التقدم واقتحام مدينة طفس في الريف الغربي لدرعا جنوب البلاد.
وقال المتحدث باسم «تجمع أحرار حوران» أيمن أبو نقطة، في تصريح لـ «القدس العربي» إن المجموعات المحلية تقاوم محاولات الاقتحام، وتتصدى لقوات النظام السوري المدعومة بميليشيات إيرانية، التي استقدمت الخميس، رتلاً عسكرياً مكوناً من 4 سيارات محملة بعشرات العناصر، بالإضافة إلى عدد من الدبابات، حيث شوهدت التعزيزات على الأوتوستراد الدولي دمشق – عمان بالقرب من بلدة محجة متوجهة إلى الجنوب.
أبعاد التصعيد في درعا
التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى درعا، هي الثانية من نوعها خلال الـ 24 ساعة الفائتة، حيث أدخلت قوات النظام أرتالاً على طريق الأوتوستراد الدولي وسلكت عبر منطقة المجابل الواصلة بين بلدة خربة غزالة ومدينة درعا، وسط انقطاع تام للتيار الكهربائي، وقال المصدر إن التعزيزات العسكرية التي دخلت ليلة الأمس كانت تشمل مدافع ميدانية محمولة على سيارات عسكرية.
وأدت الاشتباكات يوم أول أمس إلى عطب دبابة T55 وجرافة عسكرية لقوات النظام، حاولت التوغل في اتجاه المدينة من المزارع الجنوبية تحت غطاء ناري كثيف بقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة.
وفي إبطع في ريف درعا الأوسط، هاجم مجهولون ليلاً، حاجزاً عسكرياً يتبع لفرع الأمن العسكري جنوب البلدة، ووفق المصدر، فإن الاشتباكات استمرت لنحو نصف ساعة، بالأسلحة الرشاشة، دون ورود معلومات عن خسائر في صفوف قوات النظام. ويوم الثلاثاء الفائت، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة في المزارع الشرقية لمدينة درعا بين شبان المنطقة وقوات النظام وميليشيات إيرانية، إثر محاولة الأخيرة التقدم في اتجاه المزارع وتثبيت نقاط فيها. وسبق أن أرسلت قوات النظام في الخامس من الشهر الجاري، تعزيزات عسكرية إلى منطقة قصاد بالقرب من صوامع الحبوب في منطقة غرز شرقي درعا، وأعادت تمركزها في حاجز قصاد الذي انسحبت منه في تشرين الأول العام الفائت، بالإضافة إلى تثبيت نقطتين عسكرتين في المنطقة ذاتها.
ولفهم دلالات التصعيد في درعا، وعودة القصف والموجهات إلى طفس، رأى الباحث لدى مركز عمران للدراسات منير الفقير أن النظام السوري، يحاول التنصل من التفاهمات الهزيلة التي توصل إليها الروس مع مدن وبلدات حوران وعلى رأسها درعا البلد وطفس قبل أكثر من عام من الآن، والتي كانت نكوصاً روسياً بالأصل على تسوية 2018.
واعتبر في تصريحه «القدس العربي» أن أسلوب القضم الذي يستخدمه النظام السوري في محافظة درعا ليس جغرافياً وأمنياً وحسب وإنما سياسي ايضاً، إذ «يتمدد النظام في المنطقة ويحاول تعزيز وجوده الأمني وفي المقابل يحسن من شروطه ويعدل على اتفاقاته». وكل ذلك بالمجمل، أما على نحو أكثر تخصيصاً، فإن العملية الأمنية على طفس تحمل مؤشرين تحدث عنهما الباحث السياسي، الأول هو تزايد العمليات الأمنية ضد جيش النظام ومطالبة النظام للأهالي بتسليم المطلوبين له. أما المؤشر الثاني، فهو تعزيز وجود الفرقة الرابعة في سهل حوران في مقابل التراجعات في جبل العرب إبان الاضطرابات الأخيرة.
وفي السويداء القريبة، فرضت الفصائل المحلية، الخميس، طوقا أمنيا، في محيط بلدة قنوات، شمال شرق مدينة السويداء، وسط انتشار مجموعات من أهالي المنطقة والفصائل، داخل البلدة، بحثاً عن متزعم لميليشيا محلية، تابعة للأمن العسكري، وذلك بعد انتهاء المهلة المحددة، من قبل الفصائل المحلية والمرجعيات الدينية، لتفكيك مجموعته، وتسليم أسلحته.
ووفق شبكة «السويداء 24» فقد «رفض متزعم قوات الفهد، المثول لقرارات الرئاسة الروحية، والفصائل المحلية، بتسليم سلاحه، وتفكيك مجموعته، حيث نفذّت فصائل السويداء، حملة مداهمات في بلدة قنوات، ضد بقايا الفصيل، الذي فرّ متزعمه خارج البلدة».
وحسب المصدر، فإن «لواء الجبل، بقيادة أبو غيث مرهج الجرماني، كان رأس الحربة في عملية قنوات، بمؤازرة من حركة رجال الكرامة، التي يقودها الشيخ ابو حسن يحيى الحجار، والعديد من الفصائل، منها مجموعة الشيخ ليث البلعوس. وبدأت الحملة الساعة الخامسة فجراً، بفرض طوق أمني على قنوات، ودخول مجموعات إلى داخل البلدة».
عمليات تمشيط وبحث
ولا تملك جماعة سليم حميد، مقرات ثابتة داخل قنوات، على غرار راجي فلحوط في عتيل، لذا نفذت الفصائل المحلية، مداهمات استهدفت منازل رافضي التسوية منهم، كان أولهم منزل سليم حميد متزعم المجموعة، الذي يبدو أنه فرّ مع عائلته خارج قنوات، قبل الاقتحام.
الفصائل المحلية اعتقلت خلال المداهمات، ثلاثة أشخاص، كحصيلة أولية. وحسب مصدر لشبكة «السويداء 24» فقد اعتقل «بشار حميد، شقيق متزعم قوات الفهد، بالإضافة إلى سليم القنعباني، الشخصية الثانية بعد سليم حميد، وناجي بلان. مع الإشارة إلى أن بشار حميد، مدني، ولم ينتمي لمجموعة شقيقه».
مصدر من رجال الكرامة، قال «إن عمليات التمشيط والبحث مستمرة في بلدة قنوات، بالتعاون مع لواء الجبل، وبقية الفصائل، سعياً لاجتثاث كل العصابات المرتبطة عضوياً بعصابة راجي فلحوط، على حدّ وصفه. وأكد المصدر أن الحركة لم تتوجه إلى أي بلدة أخرى اليوم، وستواصل خلال الساعات القادمة عمليات المداهمة في مزارع ونقاط تشتبه بفرار أعضاء العصابات لها».
وبعد القضاء على مجموعات فلحوط التابعة للأمن العسكري، أمهلت الفصائل المحلية، «سليم حميد ومجموعته، لتسليم أسلحتهم وتفكيك المجموعة، التي كانت تسمى قوات الفهد، حيث تتهم الفصائل، قوات الفهد، بارتباطها براجي فلحوط، وشعبة المخابرات العسكرية، ومسؤوليتها عن انتهاكات واسعة ضد المدنيين».
وبعد تسليم حميد، جزء من أسلحته لحركة رجال الكرامة، عاد وتنصل من الاتفاق، وفق المصدر، ما دفع الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، الممثلة بالشيخ حكمت الهجري، إلى إصدار مهلة أخيرة، لقوات الفهد، التي بدأت تتفكك خلال اليومين الماضيين، حيث سلم 15 عنصراً منها أسلحتهم، وتوجهوا إلى مضافة الشيخ حكمت الهجري، واضعين أنفسهم تحت الحق. في حين رفض سليم حميد، ومن تبقى من مجموعته، الالتزام بقرارات الرئاسة الروحية، والفصائل المحلية، معلناً نيته التصدي لأي هجوم يتعرض له.
“القدس العربي”