على الرغم من الفوائد الرمزية القوية للتخلص من الإيديولوجي الإرهابي سيئ السمعة أيمن الظواهري، إلا أنه من غير المرجح أن تؤثر وفاته على العمليات اليومية للتنظيم، والتي تقودها بشكل متزايد فروع خطيرة في إفريقيا.
- * *
في 31 تموز (يوليو)، وفي غارة أميركية بطائرة من دون طيار في أفغانستان، قُتل أيمن الظواهري، الذي شغل منصب نائب زعيم تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة وتولى قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن في العام 2011. وعندما أعلن الرئيس الأميركي بايدن الخبر، أكد أن واشنطن ستجد مثل هؤلاء الخصوم وتقدمهم إلى العدالة مهما طال الزمن.
وينذر مقتل الظواهري بقدوم حقبة جديدة لتنظيم القاعدة، تتراجع فيها ثقة التنظيم في قيادته العليا. وبخلاف سلفه، لم يكن الظواهري معروفاً بخطابه الملهم أو بذكائه الإعلامي، مفضلاً الأطروحات الطويلة والمملة والخطب المصورة التي دفعت بالكثيرين إلى اعتباره زعيماً إرهابياً أقل روعة من بن لادن. ومع ذلك، كان الظواهري بلا شك مسؤولاً عن جزء كبير من الأساس الفكري للأجندة الدولية لتنظيم القاعدة المتمثلة في القيام بهجمات إرهابية كبيرة الحجم وتعزيز الحكم الجهادي. واليوم، تجد بعض فروع التنظيم، خاصة في الصومال ومالي، نفسها في مواقع قوة لمواصلة هذه المهمة.
مُنظّر عقائدي إرهابي
ولد الظواهري لعائلة مصرية ثرية مرموقة وعمل كطبيب في أولى مراحل حياته، ثم أسس حركة “الجهاد الإسلامي” المصرية في السبعينيات، وهي جماعة إرهابية كان هدفها الإطاحة بالنظام في القاهرة. وبحلول أواخر الثمانينيات، بدأت جماعته التي كانت تشهد تراجعاً في أعدادها، بالعمل بشكل وثيق مع تنظيم القاعدة، الذي كان يخوض الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان في ذلك الوقت. وإضافة إلى ميل الظواهري إلى الهجمات العشوائية التي قتلت المدنيين، تمثلت مساهمته الرئيسية بالتفكير الاستراتيجي الذي يقوم على استهداف “العدو البعيد” لتسهيل الإطاحة بـ”العدو القريب”. وبعبارة أخرى، رأى أنه من خلال مهاجمة الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى التي دعمت ما اعتبره أنظمة موالية للغرب، وأنظمة غير إسلامية بما فيه الكفاية في العالمين العربي والإسلامي، تستطيع الحركة في نهاية المطاف أن تطيح بتلك الأنظمة “الكافرة”.
وفيما يسمى بالفتوى الصادرة في شباط (فبراير) 1998 تحت تسمية “الجبهة الإسلامية العالمية”، أعلن بن لادن والظواهري أن قتل الأميركيين هو “فرض عين على كل مسلم يستطيع تأديته في أي بلد يكون ذلك ممكناً فيه”. واندمجت مجموعتهما رسمياً في حزيران (يونيو) 2001، قبل بضعة أشهر من هجمات 11 أيلول (سبتمبر).
وبعد أسابيع قليلة من تلك الهجمات، أصدر الظواهري كتاباً بعنوان “فرسان تحت راية النبي”، وهو بحث من اثني عشر جزءاً متسلسلاً نُشر في صحيفة “الشرق الأوسط” التي تتخذ من لندن مقراً لها. وقدم المقال رؤيته للجهاد على أنه صراع مستمر من أجل البقاء بين الخير والشر، يحاول فيه الغرب (بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة العربية “المرتدة”) تدمير الإسلام. ويكمن الحل، كما افترض، في أن يعتنق المسلمون الجهاد المسلح ويستهدفوا أعداء الإسلام بضرباتهم. وكمثال على ذلك، استشهد بالهجوم الإرهابي الذي وقع في العام 1997 في الأقصر بمصر، حيث قتلت “الجماعة الإسلامية” 62 شخصاً، معظمهم من السياح الأجانب.
تمرير “صندوق جمع التبرعات”
إلى جانب خطبته المحصورة بفئة معينة في بعض الأحيان، وجد الظواهري نفسه في كثير من الأحيان يتعامل مع التفاصيل المزعجة لإدارة منظمة كبيرة بعد وفاة بن لادن، وخاصة جمع التبرعات. وعندما بدأ تنظيم القاعدة يواجه مصاعب مالية في السنوات التي أعقبت 11 أيلول (سبتمبر)، عادة ما كان يتم إرسال الظواهري ومعه “صندوق جمع التبرعات”.
على سبيل المثال، في رسالة وجهها الظواهري في تموز (يوليو) 2005 إلى أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم الجديد لـ”تنظيم القاعدة في العراق”، طلب بتواضع “ما يقرب من مائة ألف دولار” لأن “العديد من مصادر التمويل قد انقطعت”. وفي العام 2008، تم تداول رسالة مسجلة عبر الهواتف المحمولة في المملكة العربية السعودية يطلب فيها الظواهري “تبرعات لمئات من أسر الأسرى والشهداء في باكستان وأفغانستان”. ورداً على ذلك، أفادت بعض التقارير بأن السلطات السعودية اعتقلت ستة وخمسين شخصاً من أعضاء تنظيم القاعدة المشتبه بهم الذين كانوا يستخدمون التسجيل لجمع الأموال.
وللظواهري خبرة سابقة في الحصول على الأموال ونقلها، وهذا ما كان يفعله على ما يبدو عندما اعتقلته السلطات الروسية في أواخر العام 1996 أثناء محاولته دخول الشيشان. (ولأن الروس لم يدركوا مَن هو، سرعان ما أطلقوا سراحه). وفي العقد ذاته، أفادت بعض التقارير بأنه قام بجمع الأموال من مساجد في كاليفورنيا للجمعيات الخيرية الإسلامية التي يُزعم أنها تدعم اللاجئين الأفغان.
الجهاد السوري يأتي بالوعد في المرحلة الأولى، ثم الخطر
قدمت الحرب الأهلية في سورية ساحة جديدة يمكن فيها للظواهري أن يظهر أهميته بعد وفاة بن لادن. ففي وقت مبكر من النزاع، بدا أن التدخل في الصراع يؤتي ثماره، حيث أصبحت “جبهة النصرة”، وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة، أقوى جماعة تابعة للتنظيم في العالم بعد رفضها مناشدات تنظيم جهادي منافس، “داعش”.
وحرصاً على البقاء على رأس الحركة ومنافسة “داعش”، أرسل الظواهري كبار مقاتلي القاعدة من أفغانستان وباكستان لإنشاء شبكة إرهابية في سورية بين العامين 2012 و2015، بهدف واضح هو تنفيذ هجمات في الخارج. وأطلق مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون على الشبكة تسمية “مجموعة خراسان”، وكشفوا في أيلول (سبتمبر) 2014 أنهم كانوا يتعقبون “مؤامرات وشيكة” يحيكها عملاء خراسان “لشن هجمات في الولايات المتحدة أو أوروبا”.
وخلال السنوات القليلة التالية، تغيرت حظوظ تنظيم القاعدة في سورية، حيث قتلت الغارات الجوية الأميركية العديد من قادة الشبكة وقلصت أعداد المحاربين القدامى في التنظيم الذين كانت خبرتهم تعود إلى أفغانستان في الثمانينيات. واليوم، لا تعمل “مجموعة خراسان” ولا خليفتها، “حراس الدين”، بشكل نشط في سورية. أما “جبهة النصرة”، فقد انفصلت عن تنظيم القاعدة في العام 2016، ثم اندمجت مع جماعات أخرى وأعادت تسمية نفسها بـ”هيئة تحرير الشام” في العام 2017. وبعد ذلك، بدأت بقمع منافسين لها مثل تنظيم “حراس الدين” بشكل جدي، فقضت بذلك نوعاً ما على هذه الخلية التابعة لتنظيم القاعدة بحلول حزيران (يونيو) 2020.
في النهاية، قوّض الجهاد السوري مكانة تنظيم القاعدة في المنطقة، مع تصاعد الانشقاقات من تنظيم “داعش”، وبدأت “هيئة تحرير الشام” بالتركيز أكثر على الحكم المحلي ومحاربة نظام الأسد وليس الجهاد العالمي. وعلى الرغم من أن القياديين البارزين في “هيئة تحرير الشام”، مثل أبو ماريا القحطاني وعبد الرحيم أتون، قد أبّنا الظواهري بعد ساعات من مقتله، إلا أن ذلك كان من منطلق احترامهما لزميلهما الجهادي في الخنادق، وليس إشارة إلى عودة “الهيئة” إلى تنظيم القاعدة.
ما الذي ينتظر تنظيم القاعدة وفروعه؟
على الرغم من أن مساعي الظواهري لم تنجح في سورية، إلا أن جميع فروع تنظيم القاعدة خارج تلك الساحة ظلت موالية له ولقضية القاعدة، حتى في ظل انتشار “داعش”. ويغلب أن بعض هذه الفروع -مثل “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية” و”تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية”- واجهت تحديات خطيرة. ومع ذلك، فإن الفروع الأخرى، لا سيما في الصومال (الشباب) ومالي (جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”)، حققت تقدماً كبيراً حالياً وتواصل تحقيق انتصارات ضد الحكومات المحلية.
مَن سيخلف الظواهري؟ أشار أحدث تقرير للأمم المتحدة عن تنظيم القاعدة إلى أن قادة “الشباب” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” يحتمل أن يخلفوه في حال وفاته. (مع ذلك، فإن نقل القيادة العالمية لتنظيم القاعدة من جذورها التاريخية في منطقة أفغانستان- باكستان إلى أفريقيا سيكون أمراً غير مسبوق). ومن بين المرشحين المحتملين الآخرين عضوان قديمان في تنظيم القاعدة هما: سيف العدل وعبد الرحمن المغربي، صهر الظواهري. ولكن كليهما يقيمان حالياً في إيران، وبالتالي، فإن تعيين أي منهما كأمير مقبل لتنظيم القاعدة يمكن أن يخلق مشاكل شرعية داخلية.
ويتمثل احتمال آخر بالترويج لقائد شاب يتمتع بشخصية مؤثرة، ولكنه غير معروف نسبياً، يمكن أن يتواصل معه المجندون المحتملون بطريقة غير معهودة مع الظواهري. وبما أن تنظيم القاعدة يستمر في التنافس مع “داعش” على جذب الأتباع والمجندين، فمن المرجح أن يشكل إيجاد قائد ديناميكي جديد أولوية.
ولكن في نهاية المطاف، من غير المرجح أن يكون لمقتل الظواهري تأثير كبير على القدرات العملياتية لتنظيم القاعدة أو فروعها. فهو لم يكن على ما يبدو يدير الشؤون اليومية للتنظيم، بل كان يُعنى فقط بصنع القرارات الاستراتيجية على نطاق واسع. ومن نواحٍ عديدة، لم “تؤثر” شخصيات تنظيم القاعدة في منطقة أفغانستان – باكستان على التنظيم منذ فترة. وفي العقد الماضي، كانت أهمية تنظيم القاعدة تستند في جزء كبير منها إلى ثروات فروعها في الخارج، أولاً في اليمن وسورية، ولاحقاً في الصومال ومالي. وهكذا، بغض النظر عمن يتم اختياره ليكون الزعيم التالي، سيتقرر مستقبل الحركة بمعارك بعيدة عن شوارع كابول حيث قتل الظواهري. ومن المؤكد أن تساؤلات ستبرز حول استقرار نواة القاعدة إلى حين تعيين خليفة للظواهري، ولكن في غضون ذلك، ستستمر أقوى أذرع الشبكة في تهديد وزعزعة استقرار مساحات واسعة من أفريقيا.
أما بالنسبة للإرث القيادي للظواهري، فلا يمكن التنصل من واقع انتقال تنظيم القاعدة بشكل مطرد من الزعيم أحادي القطب للحركة الجهادية العالمية منذ توليه زعامتها. وعلى الرغم من التهديد الكبير الذي تشكله بعض الجماعات التابعة للتنظيم في الخارج، خسر تنظيم القاعدة أقوى فرعين له في قلب العالم العربي تحت قيادته، وهما تنظيم “داعش” و”هيئة تحرير الشام”، وأصبح الآن أضعف على الساحة العالمية.
*ماثيو ليفيت: “زميل فرومر ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن. هارون ي. زيلين هو “زميل ريتشارد بورو” في المعهد ومؤسس موقع “Jihadology.net”
“الغد”