… دون أن يحدث شيء،
هذه هي حياتنا، فليس من الحكمة قضاء الوقت في انتظار شيء لا يحدث. وهو لا يحدث بالضبط عندما تكون في انتظاره، خصوصاً في ما تنتظره جالساً. ففي هذا إهدار للوقت، وتفريط في الحياة. ليس في حياتنا ما يمكن أن يحدث وأنت تنتظره.
الانتظار هو عبث في أمرين، إضاعة وقت من العمر النادر القصير، وتعويل على آلية الغيب التي لا تكترث بنا.
٭ ٭ ٭
دون أن يحدث ذلك الشيء، سوف ترى نفسك في مكان غير موجود، وفي زمان غير محسوب في روزنامة العمل. ثمة شيء لا يحدث أبداً، فيما يتوقعه الناس. فللأشياء ربٌ يديرها على هواه. وأنت ليس من بين الروافع التي يكترث بها رب الأشياء. فكنْ على مبعدة من برنامج لا يحسبك، وبمعزل عن فهرس لست في مراياه، فكلما قدرت على النجاة مما يدربونك عليه، فأنت مرشح للتحرر مما يقدّرون.
٭ ٭ ٭
من أين لك هذا العمر القصير لكي تهدره في انتظار تفسير حياتك البالغة الغموض. ينبغي لك عدم إضاعة الأيام في الظن بأن نجاتك في حدوث ذلك الشيء. قادرٌ على تقدير أقدارك إن أنت تريثتَ قبل الامتثال لوهم انتظاراتهم، ثم قبل كل شيء، ماذا تريد أنت بالضبط مما هو في غيبٍ غير منظور؟ ما المعنى الذي تسبقه على كلامك لكي تكتبه في نصك الوشيك؟ ليس في الانتظار غيركَ، فاذهبْ بعيداً عن محطاتهم ولا تنتظر معهم، ولا تخضع للنفق الذي يكسر عمود الفقري لفرط الانحناء، فيما تدخل وتتغلل ولا تجد طريقاً للرجوع. فالانتظار الذي يقترحونه بمثابة مستنقع الوحل، ما إن تضع قدمك الأولى فيه حتى تجد نفسك تتورط في التقدم بكل أقدامك، دون أن يكون لك خيار للتراجع. فلا تدخل ولا تنتظر ولا تمتثل.
٭ ٭ ٭
ليس لصلاتهم ربٌ، ولا الآلهة تكترث بتضرعاتهم، فالله لا يحب المنتظرين.
وإن كنتَ تشكّ في العمل، فمن الأجدى أن تسأل الحركة، حيث الانتظار موتٌ ماثل لا يتيح لك الحلم ولا تجد نفسك خطوة على طريق. فلماذا تؤجل حياتك فتفقدها؟ فما يحدث هناك، لا يحدث لك، لكنه يحدث عليك، فلا تنتظره.
٭ ٭ ٭
على عظم وهول ما يحدث، رغم كارثيته، فإنه يحدث ضدك، كل ليلة وكل يوم، يؤسسون لحدوثه أجل ألا تكون، فهو يحدث ضد كيانك الإنساني، ومن يديره يدرك أنك نقيضه. وحين يسوقونك لانتظاره، فإنما يعملون على تمهيد طريقك للحدث، فلا تنتظره، ولا تترك له قيادك.
على شمولية ما يحدثونه في الكوكب، فإن جذوة أحلامنا أبعد وأبدع. وهم يحثّون السعي أجل أن نبقى في انتظار النيران تطالنا شلواً شلواً، فماذا تنتظر من انتظاراتهم.
٭ ٭ ٭
اذهبْ عنهم بعيداً.
نجاتك في الافتراق عنهم. لقد بذلوا جهدهم الجهيد أجل أن يقودوا خطاك معهم، ضد طريقك. الآن خذ نفساً عميقاً وانحرف عن طريقهم وطريقتهم. انحرافك حرفك الخاص، وأنت تكتشف وتكشف أبجديتك الخاصة، بمعزل عن كتبهم وكتابتهم. لقد أمضيت حياتك كلها في خريطتهم الخراب، عليك الآن أن ترسم لخطواتك خريطة طريقك الخاص المختلف لقد أبليت حسناً وأنت تخضع لهاويتهم المبجلة. الآن ترى إلى مواقع قدميك بالشكل الذي يجعل مشاريع أملهم وهماً صراح. لك أن تفضحه برفضك الانصياع له.
ليس ثمة أمل لديهم لك. أملهم لهم. وأنت الوهم الذي يهيئونه.
إن شيئاً لا يحدث، وسعيك لا يبلغ الحلم، وأنت في برد المحطة. فاربأ بنفسك عن أملهم الذي يضاهي الألم. فلديهم لك من الكوارث ما لا تُطيق، وما لا يدور لك في الظن. لا تنتظرهم ولا تدعهم في انتظارك.
٭ ٭ ٭
هل فتحت كتابك لتقرأ أم لتكتب؟
هذه هي المسألة.
نصوصهم في جاهزية السلاح، وأحلامك قيد الكتابة
فافتح كتابك.
فليست المسألة في الحياة،
المشكلة في النص
اكتبْ نصوصك واحذر لصوصك
ولا تؤجل خطوتك عن الطريق.
برد المحطات لا يرحمك
ووحشة الانتظار موتٌ بمثابة القتل.
دع لحبرك حرية الماء وصلابة الموج
واكتب الذرائع شامخة في هواء الأجنحة.
اكتبْ ولا تنظرْ
اقرأْ ولا تنتظرْ.
شاعر من البحرين
“القدس العربي”