ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: إيشان ثارور
بعد ما يقرب من 17 شهراً من الجدل الدبلوماسي، قد يكون هناك بصيص أمل في التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران. فقد قال مسؤولون أمريكيون يوم الأربعاء إنهم أرسلوا رداً على تعليقات إيرانية بشأن مسودة اتفاق بقيادة الاتحاد الأوروبي من شأنها إنقاذ اتفاق 2015 بشأن برنامج طهران النووي. قد يسبق تداوُل وثائق الرد جولة أخرى من المحادثات في فيينا تهدف إلى استعادة شروط الصفقة الأصلية، والتي فرضت قيوداً شديدة على قدرة إيران على تخصيب الموادّ الانشطارية إلى مستويات تصل إلى مستوى صنع الأسلحة مقابل تخفيف العقوبات عليها.
لقد تمّ تحطيم هذه الشروط من جانب واحد في عام 2018 من قِبل الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي رفض الاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما وقوى دولية أخرى حتى في الوقت الذي يُعتقد أن إيران ملتزمة بقيودها. وقد عارض الموقعون الأوروبيون والصينيون والروس على الاتفاق هذه الخطوة، ولكنّ مجموعة من القوى الإقليمية الموحدة في عدائها لإيران رحبت بذلك الإجراء – بما في ذلك إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو، والأنظمة الملكية في العربية في السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد زعمت إدارة ترامب، في ذلك الوقت أن إيران لن تجرؤ على استئناف نشاطها النووي المحظور. ولكن بحلول عام 2019، وبعد أن جُرّدت إيران من حوافز عدم قيامها بنشاط يتعلق بتخصيب اليورانيوم، قامت بتركيب أجهزة طرد مركزي أسرع في منشآتها وبدأت أنشطة التخصيب التي انتهكت قيود الاتفاقية. وبموجب اتفاق عام 2015، تمّ قياس ما يسمى بوقت “الاختراق” لإيران لتوليد ما يكفي من الوقود لصنع قنبلة نووية محتملة، فكانت المدة هي عبارة عن أشهر، أو حتى ما يقرب من عام. أما الآن، فقد أصبحت المدة هي عبارة عن أسابيع تفصل إيران عن إحراز ذلك التقدّم، كما يزعم المسؤولون والمحللون.
تولّى بايدن منصبه في عام 2021 متعهداً بالعودة إلى الاتفاق وكبح جماح زيادة التخصيب الإيرانية. لكن السياسة الداخلية تدخلت في كِلا البلدين – فلم تكن الصفقة الفورية مع تخفيف العقوبات على إيران هي بداية عهد الرئيس الجديد في واشنطن، في حين أن المتشددين في طهران، الذين عارضوا الصفقة الأصلية منذ فترة طويلة وشككوا في قيمة أي نشاط دبلوماسي مع الأمريكيين، قضوا على ما يسمى بالمعسكر “الإصلاحي البراغماتي” للنظام في الانتخابات. وقد وجد استطلاع للرأي حول المواقف الإيرانية هذا الصيف أن أقل من نصف الإيرانيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أنه سيتم استعادة الصفقة، بينما أعرب أكثر من الثلثين عن شكّهم في أن الولايات المتحدة ستلتزم بالتزاماتها.
حذّر روبرت مالي، مبعوث بايدن الخاص لإيران، في أواخر العام الماضي في مقابلة مع النيويوركر من أن الإيرانيين “يُفرِغون الصفقة من مزايا حظر الانتشار النووي التي تساومنا من أجلها”. واعترف بأنه في مرحلة ما في المستقبل ستكون الدبلوماسية في هذا الشأن “بمثابة محاولة لإحياء جثة ميتة”.
من الواضح أن إدارة بايدن لا تعتقد أننا وصلنا إلى تلك المرحلة بعد. لكن احتمالية استعادة الصفقة أعادت إحياء النقاشات الغاضبة المحيطة بوساطة الصفقة الأولية. فقد أعرب المشرعون الجمهوريون عن غضبهم من أي اتفاق لا يخضع لإشراف الكونغرس. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، وهي وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، يوم الخميس تحذيره من أن الصفقة التي تلوح في الأفق ستكون “كارثة إستراتيجية”. وحثت سلسلة من التعليقات من النخب السياسية في إسرائيل، بما في ذلك رئيس الوزراء يائير لبيد، الولايات المتحدة على التراجع عن القبول بالتفاوض.
وكتب الصحفي في صحيفة هآرتس أمير تيبون، أن ترامب خرق الاتفاق في عام 2018 بدفع من نتنياهو حتى وسط “إجماع واضح داخل المؤسسة الأمنية والدفاعية الإسرائيلية في ذلك الوقت على أن الانسحاب من الاتفاق كان خطأ كبيراً”. وأضاف: الآن، قد يتم استبدالها باتفاق “حيث يحذر بعض الخبراء من أنه سيكون أسوأ بالنسبة لإسرائيل ويخلق شرق أوسط أكثر خطورة”.
وذكرت زميلتي كارين دي يونغ “أن إسرائيل، ومعارضي الاتفاق الجديد في الكونغرس قالوا إن رفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي سيوفر لإيران مئات المليارات من الدولارات لتمويل الأنشطة الإرهابية، وإن انتهاء صلاحية بعض بنودها في وقت مبكر سيسمح لإيران بسرعة بإحياء خطط تصنيع سلاح نووي.”
وأضافت أن “مسؤولي الإدارة يشككون ويقولون إن إعادة فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، حتى مع وجود بعض تواريخ انتهاء الصلاحية، سيوفر عدة سنوات من الراحة من التهديد النووي الوشيك ويتيح المجال لمزيد من المفاوضات”.
إدارة ترامب ومؤيدوها الذين انسحبوا من الاتفاق يحصدون ما زرعوه. فقد أخبرتني هولي داغريس، الباحثة الرئيسية في أتلانتيك كونسل، أن “تصرفاتهم لم تؤد فقط إلى نشوب حرب، ولكن نتيجة لضعف اتخاذ القرار في إدارة ترامب، وسّعت إيران برنامجها النووي بطريقة غير مسبوقة”.
“إن أحببنا أو كرهنا خطة العمل الشاملة المشتركة” JCPOA- 2015 بين إيران والقوى العالمية – “إلا أنها أفضل طريق للمضي قدماً لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية محتملة”.
وأضافت داغريس أنه لو لم ينسحب ترامب من الصفقة، لكانت “ممارسة بناء الثقة” المتأصلة التي تنطوي عليها خطة العمل الشاملة المشتركة قد استمرت، وربما كانت ستؤدي إلى مفاوضات على جبهات أخرى. وقالت: “ما إذا كانت تلك المناقشات ستكون بنّاءة أمر غير واضح، لكن من الآمِن القول: إن إيران لن تعتبر دولة من الدول التي حققت العتبة النووية كما هو الحال بالنسبة للبعض اليوم”.
ومع ذلك، هناك شعور موازٍ بأن الصقور في واشنطن حصلوا على ما يريدون بالضبط. فقد قال جون غازفينيان، مدير مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا: “وفقاً لشروطها الخاصة، كان قرار إدارة ترامب الانسحاب من الصفقة ناجحاً للغاية”.
وألغت أي احتمال للتقارُب بين طهران وواشنطن، وقامت بتقوية التعاون بين إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج وأثارت احتمالية القيام بعمل سري إسرائيلي أو حتى أمريكي ضد إيران في المستقبل. كما أظهرت توترات جديدة وحالة من الانقسام – من مؤامرات إيران العنيفة في الخارج وتشدد وكلائها في الشرق الأوسط إلى الأعمال الانتقامية الأمريكية، بما في ذلك الضربات هذا الأسبوع على الفصائل المدعومة من إيران في شمال شرق سورية.
إيران فاعل شرير فهم يدعمون الإرهاب ويستهدفون الأمريكيين، ولكن هذه ليست حجة ضد الاتفاق النووي بل هي حجة للدفاع عن عقد الصفقة.
أخبرني غازفينيان أن النظام الإيراني وإدارة بايدن الآن يحاولان ببساطة “تأمين احتياجاتهما الأساسية والفورية العاجلة”. تريد إدارة بايدن كبح جماح مسيرة إيران نحو القدرة على إنتاج سلاح نووي، بينما ترحب إيران بتخفيف العقوبات على اقتصادها وصادراتها النفطية.
وأشار غازفينيان، مؤلف كتاب “أمريكا وإيران: منذ 1720 حتى الوقت الحاضر”، إلى أن العالم في مكان مختلف عن عام 2015 أو 2009 – عندما دخلت إدارة أوباما في عملية دبلوماسية مع الشركاء الأوروبيين وروسيا والصين بشأن الملف النووي الإيراني. “لقد انغمسنا في تفاصيل القضية النووية، وقمنا بالدفاع عن هذا الشيء حتى الموت، ونسينا ما هي النقطة الكبرى”- أي، كما قال، اعتقدت إدارة أوباما أن الاتفاقية النووية يمكن أن تبني أساساً لحوار إستراتيجي أوسع من شأنه معالجة المخاوف بشأن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار.
هذا الحوار لا يلوح في الأفق حالياً، في حين أن الإستراتيجيين في كِلا البلدين غيروا أولوياتهم منذ فترة طويلة – ففي واشنطن، الأولويات أصبحت بعيدة عن الشرق الأوسط؛ وفي طهران، هناك اتجاه نحو تسوية أكبر مع بعض جيرانها وعلاقات أوثق مع الصين. وقال غازفينيان في إشارة إلى الاتفاق النووي والفجوة الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران: “من الصعب حلّ مشكلة فنية مُعقّدة بشكل استثنائي في سياق مناخ سياسي مختلّ بشكل استثنائي”. “نحن بحاجة إلى تجاوُز خطة العمل الشاملة المشتركة، نعم نحن نحتاج إلى تجاوُزها.”
“نداء بوست”