حظيت حادثة مقتل الفتى السوري فارس العلي 17 عاماً الذي قضى طعناً من قبل مجموعة أتراك، في نارليجا بضواحي أنطاكيا التركية، بتفاعل واسع واهتمام رسمي تركي، وسلطت الحادثة الضوء مجدداً على الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا، نتيجة زيادة العنصرية ضدهم.
وبسبب التركيبة السكانية في أنطاكيا التي تقطنها غالبية من أبناء الطائفة العلوية ثارت الشكوك حول دوافع الهجوم إن كانت طائفية، لكن معلومات «القدس العربي» تؤكد أن تركيبة سكان قرية نارليجا موقع الهجوم، هي من السنّة الأتراك، ونسبة منهم أصولهم عشائرية عربية، ويشكلون ثقلًا في القرية، حيث كان شغل منصب المختار فيها سابقاً (عام 2012) شخص من أصول عربية من عشيرة «المجادمة»، ويتواجد الاتراك من اصول عشائرية عربية في قرى عدة على الحدود السورية التركية في أنطاكيا، مثل الطونوز والريحانية، اما الاتراك من اصول عربية علوية فيتركزون في بلدات اخرى مثل سمندغ وارسوز والقسم الجنوبي من أنطاكيا المتصل ببلدة حربيات السياحية، ومارست الطائفة العلوية في أنطاكيا مضايقات شديدة واعتداءات ضد اللاجئين السوريين خلال السنوات الاولى للثورة السورية، لكن الحملة العنصرية تفشت لاحقاً لتصل للاتراك السنة بدعم من أحزاب تركية قومية خصوصًا.
قضى طعناً بيد أتراك في أنطاكيا مع تزايد التحريض ضد السوريين
وكان العلي قد تعرض للطعن في أسفل البطن مساء السبت، وهو في طريق عودته إلى منزله من ملعب كرة القدم، لتعلن السلطات التركية عن اعتقال الفاعل التركي (16 عاماً)، وآخرين شاركوا في الهجوم على العلي. وحسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» من شهود من قرية معربليت في ريف إدلب مسقط رأس الضحية، فإن الشاب السوري لجأ وعائلته إلى تركيا، بعد أن قتل والده الذي كان عنصراً في «الجيش السوري الحر».
والعلي هو الابن الأكبر في عائلته، وكان قد تحصل على مقعد في كلية الطب البشري بجامعة بالكيسير التركية، بعد أن أتم تعليمه في مركز تعليمي تشرف عليه هيئة الإغاثة الإنسانية «IHH» التركية، في مدينة الريحانية القريبة من الحدود السورية. وتضاربت الأنباء حول دوافع الهجوم على الشاب، ففي حين قالت صفحة «كوزال» المختصة بأخبار السويين إن المهاجمين هم أبناء امرأة تركية اصطدم بها الشاب قبل أيام عندما كان يعمل معها في مصنع للمواد الغذائية، بمعنى أن هناك خلافاً شخصياً مع الشاب السوري قد يضعف فرضية الدوافع العنصرية الكاملة، لكن أحد أقارب العلي شكك خلال حديثه لـ«القدس العربي» بهذه الخلفية للحادث، قائلاً: «الشاب كان على خلق رفيع، وكان يقضي كل وقته في الدراسة، ولذلك استطاع حجز مقعد في كلية الطب» ويؤكد أن الحادثة وقع بدوافع «عنصرية»، وأضاف قريب الشاب السوري ان المجموعة المعتدية لفارس إلى مكان بعيد عن كاميرات المراقبة، قبل توجيه الطعنة له في أطراف نارليجا.
كما ان الشاب السوري فارس العلي لم يكن يعمل أساساً، حيث كان يتكفل خاله بمصروفه وعائلته، منذ وصولهم إلى تركيا، بعد استشهاد الأب في معركة جبل الأربعين في العام 2013. وحتى ان صدقت رواية الخلاف الشخصي فان التجرؤ على قتله لمجرد الخلاف يدل بوضوح على دوافع عنصرية. ونشر ناشطون شريطاً مصوراً بعد دقائق من تعرض الشاب للطعن وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقال الصحافي السوري محمد سرحيل على «فيسبوك» إن والدة الشاب نُقلت إلى المشفى فور سماع الخبر، وحالتها مستقرة الآن.
وأضاف: «قد لا تحمل جريمة قتل الشاب السوري وغيره دوافع عنصرية، لكنه من المؤكد بأن حملات العنصرية وخطاب الكراهية تجاه السوريين، تغذي الجريمة وتشجع على ارتكابها، بل وتبرر لمرتكبها أيضاً».
رسمياً، قدم وزير الداخلية التركي سليمان صويلو التعازي لعائلة الشاب، ونقل في اتصال هاتفي أجراه مع عائلته خالص التعازي لعائلته من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكذلك نعت هيئة الإغاثة التركية IHH على معرفاتها الرسمية الشاب، وأدانت الهجوم «الشنيع» الجماعي الذي أدى إلى وفاة العلي، وتمنت الصبر لعائلته.
ولا تكاد تغيب الأنباء عن الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون في تركيا، وسط اتهامات لأطراف تركية بالتحريض على السوريين، واستعداء الشارع التركي لهم، خدمة حسابات متعلقة باستقطاب الناخب التركي في الانتخابات المقررة في صيف العام 2023. وفي مطلع آب/أغسطس الماضي قتل الشاب السوري مصطفى جولاق على يد 7 أتراك عنصريين بعد أن هاجموه بواسطة بندقية صيد وأردوه قتيلاً في مكان عمله في إسطنبول، وقبلها قتل الشاب نايف النايف (19 عاماً) بعد هجوم مماثل في منطقة بيرم باشا في مدينة إسطنبول ما أدى لوفاته. ويعيش في تركيا نحو 3 ملايين لاجئ سوري، ويعاني غالبيتهم من تصاعد خطاب العنصرية ضدهم، ويتهمون السلطات بالتساهل في حمايتهم.
“القدس العربي”