يرزح أكثر من مليون ونصف المليون مدني تحت وطأة النزوح والتشرد، متوزعين على مئات المخيمات التي لا تتوفر فيها متطلبات التعامل مع العوامل الجوية المختلفة، سيما أن هذه الخيام انتهى عمرها الافتراضي، مما يزيد مخاوف المنظمات الإنسانية من زيادة حالات الوفاة والإصابة بالأمراض بين النازحين نتيجة الارتفاع الشديد أو انخفاض درجات الحرارة، وفي مقدمتهم الأطفال، في ظل غياب الحلول الفعالة للنازحين ممن تتحول مخيماتهم منذ أكثر من عقد، مع حلول كل صيف إلى حرائق كارثية، وفي كل شتاء تغرق خيامهم في مستنقعات ضخمة من الطين والوحل.
منظمات تحذر من كارثة إنسانية في المخيمات
مسؤول منظمة «منسقو استجابة سوريا» محمد حلاج، حذر في تصريح لـ «القدس العربي» من نقص الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في المخيمات شمال غربي سوريا، بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين، داعياً إلى تغطية الحد الأدنى من التمويل الخاص والتحرك لتأمين متطلبات النازحين في ظل الأوضاع الحالية، وتوسيع عمليات الاستجابة الإنسانية في ظل عجز كافة النازحين عن تأمين المستلزمات الأساسية. وأشار حلاج إلى بيان رسمي، ناشدت فيه المنظمة الهيئات الفاعلة، لتغطية القطاعات الإنسانية قبل بدء فصل الشتاء وتغطية الحد الأدنى من التمويل الخاص لكل من قطاع التعليم، وقطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، وقطاع الصحة والتغذية، وقطاع المأوى، وقطاع المياه والإصحاح، وقطاع الحماية، وقطاع المواد غير الغذائية.
كارثة إنسانية
ووفقاً للبيان الصادر يوم أمس الأحد، فإن مناطق شمال غربي سوريا، شهدت خلال الفترات الأخيرة زيادة كبيرة في الاحتياجات الإنسانية للمدنيين بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 3.7 مليون نسمة يشكل 85% منهم من القاطنين ضمن المخيمات، إضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار المواد والسلع الأساسية في المنطقة، يضاف إليها تزايد معدلات البطالة بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية وصلت إلى 85% بشكل وسطي.
وطالب الفريق «كافة المنظمات والهيئات الإنسانية، المساهمة الفعالة بتأمين احتياجات الشتاء للنازحين ضمن المخيمات بشكل عام، والعمل على توفير الخدمات اللازمة للفئات الأشد ضعفاً» كما حث المنظمات بالعمل على إصلاح الأضرار السابقة، ضمن تلك المخيمات وإصلاح شبكات الصرف الصحي والمطري وتأمين العوازل الضرورية لمنع دخول مياه الأمطار إلى داخل الخيام والعمل على رصف الطرقات ضمن المخيمات والتجمعات الحديثة والقديمة بشكل عام.
وناشدت المنظمة، «جميع الجهات المانحة والتي تقدم الدعم الانساني في مناطق شمال غربي سوريا، المساهمة بشكل عاجل وفوري لمتطلبات احتياجات الشتاء للنازحين ضمن تلك المخيمات والتجمعات، والالتزام الكامل بكافة التعهدات التي قدمت خلال مؤتمرات المانحين».
وكانت منظمة «منسقو استجابة سوريا» قد كشفت في تقرير قبل أيام، عن «حياة الأطفال والنساء المأساوية» في المخيمات في ظل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة، الأمر الذي اعتبرته تهديداً خطيراً لحياتهم، سيما أن الكثير من النازحين غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية نتيجة ما تعــرضت له من قصف أسفر عن دمار هائل، فضــلا عن عدم توفر البنى التــحتية الأساسية للخدمات وعدم استقرار الوضع الأمني. ودعت المنظمة الإنسانية إلى التحرك الفوري لتأمين متطلبات النازحين وخاصةً المياه، وتوسيع عمليات الاستجابة الإنسانية في ظل عجز كافة النازحين عن تأمين المستلزمات الأساسية بسبب ارتفاع أسعارها.
وتعرضت إدلب والأرياف القريبة منها شمال غربي سوريا، خلال الأسبوع الفائت إلى ارتفاع درجات الحرارة، تزامن مع ظروف إنسانية صعبة، خاصة في المخيمات المنتشرة في المنطقة والتي يبلغ عددها 1,633 مخيمًا يقطنها أكثر من 1.8 مليون مدني نازح.
حرائق
وتسبب ارتفاع الحرارة، إلى ظهور الأفاعي والعقارب السامة والحشرات، حيث يقتل سكان المخيمات الحدودية هذه الحيوانات بشكل يومي، مما يزيد المخاوف من انتشار هذه الظاهرة وخاصةً بوجود الأطفال وفي ظل عدم توفر المصل الخاص بلدغة الأفاعي إلا في مشافٍ محددة.
فيما طالبت المنظمات الإنسانية، توخي الحذر الشديد في التعامل مع مواقد الطهي واسطوانات الغاز، التي تسبب الحرائق وخاصةً أن الفترة الماضية شهدت أكثر من 128 حريقاً معظمها نتيجة مواقد الطهي واسطوانات الغاز، وحذرت من إصابة الأطفال أو كبار السن بالجفاف أو ضربات الشمس نتيجة تعرضهم للشمس بشكل مباشر خاصة في فترة الظهيرة.
ونصحت المنظمة القاطنين ضمن المخيمات بالتزام الخيام ما أمكن في وقت الذروة، وحفظ الأطعمة بشكل جيد قدر الإمكان خوفاً من فسادها وأكلها، الأمر الذي يؤدي لحالات تسمم وخاصة أن الفترة السابقة سجلت عدداً من حالات التسمم ضمن المخيمات، وتجنب التماس الكهربائي وخاصة مولدات الطاقة الكهربائية والبطاريات وخاصةً داخل الخيم.
مسؤول مكتب التوعية لدى الدفاع المدني السوري، حسام بدوي، كان قد كشف في بيان رسمي سابقًا، أن ارتفاع درجات الحرارة واستخدام مواد غير آمنة للحصول على مصدر حراري للطبخ، إضافة للطبخ داخل الخيام هي أهم أسباب اندلاع الحرائق، في مخيمات الشمال السوري.
وعزا المصدر سرعة انتشار الحرائق في المخيمات إلى «التلاصق بين الخيام المبنية من مواد سريعة الاشتعال (النايلون والقماش) وعدم وجود عبوات إطفاء داخل المخيمات ما يجعل السيطرة على الحرائق صعبة».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، قد قدم نهاية شهر أغسطس آب/ الفائت، التقرير الخاص بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2642 /2022 الخاص بالمساعدات الإنسانية، مشيرا إلى الضعف الهائل في عمليات الاستجابة الإنسانية للمدنيين شمال غرب سوريا ضمن كافة القطاعات وعلى رأسها قطاع التعليم، والمياه، والمأوى، والمواد الغذائية.
كما تحدث التقرير عن احتمال تخفيض كبير من برنامج الأغذية العالمي WFP لمخصصات السلل وتخفيض السعرات الحرارية خلال شهر تشرين الأول القادم لعجز التمويل، الأمر الذي سيدفع آلاف الأسر الجديدة إلى مستويات الفقر المدقع «وضمن أنشطة التعافي المبكر، لوحظ الاستجابة الهائلة لمناطق سيطرة النظام السوري ومناطق قوات سوريا الديمقراطية من خلال تنفيذ العشرات من المشاريع الإنمائية وإعادة تأهيل المنشآت على صعيد الصحة والتعليم وتدوير النفايات و شبكات الكهرباء والمياه والأعمال التجارية، حيث وصل عدد المشاريع المقدمة بما يعادل 228 مشروعاً قدمت إليها مبالغ طائلة بما يعادل 333 مليون دولار وهو يعادل نسبة 30% من إجمالي المساعدات المخصصة لقطاع الإنعاش المبكر، في حين أن المستفيدين في مناطق شمال غرب سوريا لم يتجاوز عتبة 56 ألف مستفيد، وكأن المنطقة في حاجة فقط إلى المساعدات الغذائية».
وقال التقرير «خلال 43 يوماً من بدء تطبيق القرار لوحظ الانحياز الكامل في مشاريع الأمم المتحدة لمناطق النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، وكنا حذرنا من أن تطبيق القرار سيكون ذا أثر سلبي على المدنيين في شمال غربي سوريا» معتبراً أن «القرار الأممي هو لخدمة مناطق النظام السوري ولتمرير المشاريع المختلفة بعيداً عن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري».
10 معضلات
وأخيراً حذر برنامج الأغذية العالمي WFP من أي تخفيض جديد في الفترة المقبلة، لما سيسببه من عواقب سيئة جداً على المدنيين في ظل ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية و الهشاشة الشديدة التي يمر بها المدنيين في المنطقة.
ويمكن تلخيص عشر مشاكل تواجه السكان المدنيين شمال غرب سوريا وفق منظمة «منسقو استجابة سوريا»:
أولاً، زيادة معدلات الانتحار في المنطقة ، حيث سجل الأسبوع الماضي أربع محاولات انتحار باءت اثنتان منها بالفشل مما يرفع عدد الحالات الكلية إلى 59 حالة ، وتأتي تلك الحالات نتيجة الظروف الإنسانية المختلفة.
ثانياً، تواصل الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل مختلف الأطراف (النظام السوري ، روسيا ، إيران ، قوات سوريا الديمقراطية ،…) ، ليصل عدد الخروقات منذ مطلع شهر آب إلى 312 خرقاً، وعددها منذ مطلع العام الحالي إلى 2,873 خرقاً.
ثالثاً، ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية لدى المدنيين بشكل واضح، وذلك نتيجة انخفاض أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية، وزيادة معدلات التضخم الذي تجاوز عتبة 62.4% مقارنة بالعام الماضي كنسبة وسطية.
خامساً، انخفاض معدلات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة بشكل واضح، حيث وصلت نسبة 41% وبنسبة 32.15% في المخيمات خلال شهر تموز مع استمرار الانخفاض نتيجة تزايد الاحتياجات الإنسانية في المنطقة وضعف عمليات التمويل.
سادساً، انتشار ظاهرة ترويج وبيع المخدرات وزيادة نسبة المتعاطين لها، على الرغم من عشرات الحملات الأمنية لمكافحة المخدرات في المنطقة. سابعاً، حركة نزوح من المناطق التي تشهد خروقات مستمرة، حيث سجلت مصفوفة تتبع النازحين نزوح حوالي 3200 مدني منذ مطلع شهر آب الجاري، فضلاً عن أزمة السكن المستمرة التي تعاني منها الآلاف من العائلات نتيجة الارتفاع المستمر في الإيجارات، وعدم وجود ضوابط تنظم طبيعة الإيجار للمنازل، وتدني مستوى الخدمات الطبية بشكل ملحوظ في المنطقة وزيادة الأخطاء الطبية المسجلة خلال الفترة السابقة، وزيادة الضغط الكبير على المشافي، مما يجعل العديد من المدنيين إلى اللجوء إلى المشافي الخاصة.
ثامناً، الضعف الكبير في أداء المؤسسات التعليمية للعديد من الأسباب أبرزها غياب الدعم للمعلمين وتدني الأجور إن وجدت، مما سبب انتشار ظاهرة المدارس والمعاهد التعليمية الخاصة ،الأمر الذي تسبب بحرمان آلاف الأطفال من الحصول على التعليم.
تاسعاً، أزمة تأمين المياه الصالحة للشرب للمدنيين وارتفاع أسعارها وسط غياب كامل للحلول حتى الآن في العديد من المناطق وأبرزها مدينة الباب وريفها.
عاشراً، غياب فرص العمل في المنطقة، تستطيع احتواء العاطلين عن العمل والخريجين، نتيجة الفوضى في عمليات التوظيف والاحتكار داخل المؤسسات وانتشار المحسوبيات التي تمنع المدنيين من الحصول على فرص عمل حقيقية تناسب الواقع الحالي.
“القدس العربي”