بقلم: ماغيان سيغال
ترجمة: قسم الترجمة في نداء بوست
لم تكن الضربات الجوية التي شنتها واشنطن ضد أهدافٍ إيرانية في سورية الأسبوع الماضي، مجرد دلالة على حجم الصراع الإقليمي المتنامي بين إيران والعديد من خصومها، بل كان تأكيداً على أن مركز سورية الجغرافي، قد يجعلها تدخل في مرحلة جديدة من الصراع بين القوى الإقليمية والدولية المتنامي منذ عقدٍ من الزمن، وقد يشهد ذلك الصراع مزيداً من الغليان خلال الفترة المقبلة.
بذور الطموح الإيراني
بدأت التصورات حول الطموحات الشيطانية للنظام الإيراني، في الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل، منذ الثورة في الجمهورية الإسلامية عام 1979.
عقب اندلاع ثورات الربيع العربي في أواخر عام 2010، وسقوط الديكتاتوريات العربية على امتداد منطقة الشرق الأوسط، بدأت تظهر المنافسة على النفوذ في المنطقة، ولا سيما بين إيران من جانب، والدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة من جانبٍ آخر.
اندلاع الثورة السورية، أعطى إيران وذراعها “حزب الله” اللبناني، حافزاً للتدخل بشكلٍ كامل في سورية، حيث خصصت طهران موارد عسكرية ضخمة منذ أواخر عام 2011 لإبقاء نظام الأسد على رأس السلطة.
هناك الآن منافسة كبرى للهيمنة الإقليمية، وتحديداً من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى حدود أفغانستان. في ظل تواصُل الحروب في سورية واليمن، والتوتر السياسي في العراق ولبنان، ما أدى إلى إعادة رسم كاملة للتحالُفات التقليدية في الشرق الأوسط.
مقتل “سليماني” أشعل الصراع الإيراني الأمريكي
الهجمات المدعومة من إيران على القوات الأمريكية في العراق ليست جديدة، فهي تحدث بشكلٍ منتظم منذ عَقْدين من الزمن، وتكثفت على مدار العامين الماضييْنِ، حيث واصلت طهران سعيها “للانتقام” لمقتل “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس الإيراني آنذاك، بأيدي الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير 2020.
لكن الهجمات الأخيرة من قِبل المجموعات المدعومة من طهران داخل سورية، تمثل جبهة جديدة في القتال.
الرد الأمريكي الاستباقي على هذه الهجمات الإيرانية بالغ الأهمية. فقد كان الرئيس الأمريكي جو بايدن حريصًا على إبقاء الشرق الأوسط بعيدًا عن المصالح الأخرى، حيث كان يرغب بايدن في إبقاء المحادثات النووية الحالية مع إيران حيّة.
لكن رسالة جنرالاته كان مفادها أن الهجمات الإيرانية على القوات الأمريكية في سورية – خاصة الهجومين الصاروخيين المنفصلين في 15 آب/ أغسطس – كانت وقحة للغاية، لدرجة أنه كان لا بد من القيام بردٍّ حازم، وهو ما حصل من خلال استهداف المواقع الإيرانية في سورية.
إسرائيل قَلِقة من التمدُّد الإيراني
إسرائيل مقتنعة بأن إيران تسعى إلى إنشاء جبهة عسكرية شيعية عَبْر سورية ولبنان، وهو تهديد تعتقد تل أبيب أنه يجب تجنُّبه قبل أن تُرسّخ إيران تواجُدها.
ومع استمرار نمو القدرات الإيرانية في سورية، شنّت إسرائيل أكثر من 200 غارة سنوياً. كانت الغالبية العظمى من تلك الهجمات، ضد أهداف تابعة لإيران أو حزب الله أو أهداف إيرانية سورية مشتركة.
مطامع روسية في سورية
الموقع الإستراتيجي لسورية، دفع روسيا إلى التوغل في عمق في البلاد على مدار السنوات السبع الماضية، حيث تدخلت موسكو في سورية عام 2015 لتأمين مصالحها الخاصة، والحفاظ على حكومة صديقة في السلطة، حتى لا تفقد المنشأة البحرية الصغيرة في طرطوس.
بالنسبة لسورية وإيران، كانت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نعمة ونقمة، فمن ناحية تعمل على تعزيز العلاقة مع حلفائها في الوقت الحالي، ومن ناحية أخرى، أجبرت روسيا على فكّ ارتباط عسكري كبير عن سورية.
اشترى الكرملين مئات من الطائرات العسكرية الإيرانية بدون طيار لتعزيز جهودها في أوكرانيا، حتى أنه تم الإبلاغ في وسائل الإعلام الغربية، عن أن نظام الأسد سيرسل “آلاف” السوريين للقتال من أجل روسيا في أوكرانيا.
وتزعم التقاريرُ التي صدرت في نهاية الأسبوع الحالي، أن روسيا أزالت نظام دفاع جوي مُتطوِّر من سورية S300، وأعادته إلى الوطن، لتعزيز قدرتها ضد أوكرانيا.
هذا جدير بالملاحظة حيث تم استخدام هذا النظام S300 بالفعل في أيار/ مايو الماضي من قِبل الروس، للاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية في غارات قصف في سورية.
لبنان على خط المنافسة
إن الديناميكية في لبنان المجاور، هي أيضًا مفتاح لتصاعُد التوترات في سورية، والفكرة القائلة بأن الفوضى في سورية قد تجتاح لبنان، تُزعج العديد من القادة الإقليميين، خاصةً وأن إيران هي المستفيد المحتمل.
لبنان يقاوم حتى آخِر رَمَق لمنع انزلاقه نحو الهاوية، وبات مضرباً للمثل في ذلك.
كما أن البنك الدولي اعتبر الأزمة المالية التي حصلت في لبنان، أنها واحدة من الأسوأ في تاريخ البشرية، متهماً قادته بتعمُّد إدارة الدولة على أنها “مخطط تمويل شخصي”، وأصبحت الأمور مُزْرِية في لبنان، لدرجة أن لصوص البنوك يُشاد بهم الآن كأبطال من قِبل اللبنانيين العاديين.
إن دخول لبنان تحت سيطرة حزب الله، وبالتالي تحت سيطرة إيران، هو سيناريو تخشاه العديد من الحكومات العربية بشدة، لكن بالنسبة لإسرائيل سيكون هذا السيناريو غير محتمل.
وجود “إيران ثانية” في لبنان، على حدود إسرائيل مباشرة، وبسط النفوذ الإيراني من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر قزوين، هو سيناريو الكابوس النهائي بالنسبة لهم. إذا حدث ذلك، فسيكون التدخّل العسكري الإسرائيلي مضموناً فعلياً، وربما يؤدي إلى صراع إقليمي طويل الأمد.
لا شيء من هذا يُبشِّر بالخير للسوريين، الذين طالت معاناتهم أكثر من عَقْد من الحرب المدمِّرة، حيث إن حوالَيْ ثلثَي السكان مشردون داخلياً أو خارجياً، وتضرّر أكثر من نصف الممتلكات في البلاد.
سورية الآن هي القطعة الأساسية في مباراة الشطرنج الجيوسياسية الأكثر هيمنة في المنطقة، ولبنان المجاور على حافّة الهَاوِيَة، فمن غير المرجَّح أن ينتهي بؤسهم قريباً.
“نداء بوست”