لافتة كانت مقالة الكاتب الإسرائيلي عكيف ألدار في صحيفة “هآرتس” هذا الأسبوع عن اعتباره رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو مرشحاً مفضلاً لإيران في الانتخابات العامة. ذاك أن علاقة التكامل بين الأضداد: النظام الإيراني، من جهة، ونتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من جهة ثانية، تفوتنا أحياناً وسط ضوضاء التحليلات والتراشق الكلامي.
الممانعة وخصومها المفضلون قد يكونوا في مواجهة كلامية مفتوحة وعسكرية وأمنية محدودة، لكنهم جميعاً متكاملون في تحقيق الاستدامة لبعضهما بعضاً. هما عدوان نموذجيان لصنف من الساسة يعتاش على العدو، ويترابط معه بعلاقة سببية. يزداد النظام الإيراني خيراً كلما تضاعف شر عدوه الإسرائيلي أو الأميركي. لهذا يُعد نتنياهو ومعسكره أو ترامب عدواً نموذجياً، يُمثل العنصرية والتطرف. هؤلاء ترجمة حرفية للخطابات الإيرانية عن العدو.
ألدار نقل تقويمات استخباراتية إسرائيلية عن تدخلات إيرانية لعودة الليكود الى الحكم وضرب عملية السلام برمتها. نداف أرغامان، رئيس جهاز الشين بيت الإسرائيلي عام 2019، تحدث عن تدخل “دولة أجنبية” في الانتخابات الإسرائيلية، من دون تحديد الأهداف أو الجهة المدعومة. لكن، ووفقاً لــ”هآرتس”، البريغاردير-جنرال إيلي بن مائير المسؤول السابق عن الأبحاث في الاستخبارات العسكرية أبلغ إذاعة إسرائيلية بأن هذه الدولة التي تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية، هي ايران.
إلا أن أحداً في المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية، لا يتحدث اليوم بشكل واضح عن التدخل الإيراني وأهدافه، لأن لذلك انعكاسات على نتائج الانتخابات وربما وجهة التصويت أيضاً.
الكاتب الإسرائيلي عينه يعود الى زمن المواجهة الانتخابية بين رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز ونتنياهو في تسعينات القرن الماضي، حين تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن الرفض الإيراني لعملية السلام مع الإسرائيليين في ظل حكم حزب العمل، وأن أي عودة لـ”ليكود” الى السلطة تُحقق أهداف طهران. أي فشل في عملية السلام سينعكس ايجاباً على إيران، لهذا، وفقاً ليعالون، يُوفر النظام الإيراني التمويل اللازم للعمليات الانتحارية. علاوة على ذلك، مثّلت الحرب الوجيزة عام 1993، عامل ضغط باتجاه سقوط حزب العمل الإسرائيلي في الانتخابات.
المفارقة أن يعالون نفسه تولى مناصب أساسية في ظل الـ”ليكود”، من رئاسة أركان الجيش، إلى وزارة الدفاع، وهو بالتالي أسهم في تصفية عملية السلام برمتها، ومن الصعب إتهامه بدعم الطرف المقابل، وفقاً لعكيف ألدار.
وكل ما سبق مهم اليوم لجهة تواتر مصادر إسرائيلية تتحدث عن اهتمام إيراني بالتأثير في الانتخابات العامة أول تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. طبعاً هذا مبني على فرضية أن طهران ترغب في تأجيل الاتفاق النووي حتى الاستحواذ على قدرات تُخولها صناعة قنبلة نووية والانضمام الى الدول التي تملك هذا السلاح الرادع في ترسانتها.
لهذا فإن التقويم الرسمي الإسرائيلي (جوناثان ليز في هآرتس) بأن المحادثات النووية الإيرانية لن تُستأنف سوى بعد الانتخابات الإسرائيلية وتلك النصفية في الولايات المتحدة، يدفع الى القلق، ذلك أن أي مواجهة ستُؤدي الى فوز أكبر لنتنياهو وائتلافه اليميني، باتجاه تشكيله قوة ضغط لإلغاء الاتفاق النووي ورفع منسوب التوتر في الداخل الفلسطيني.
لو صحت هذه الفرضية، يبقى أن السؤال الأساسي هنا ماذا ستفعل ايران ليفوز نتنياهو؟ هل تكتفي بضغط فلسطيني أو توترات في الداخل، أم تلجأ كذلك الى مواجهة محدودة بين “حزب الله” وإسرائيل على خلفية النزاع على الحدود البحرية؟ المهم أن تفعل المطلوب كي يكون “العدو” في أحسن صورة.
“المدن”