“دخل عليّ واحد من العناصر وأخدني لحمامات خاصة بالعناصر، وطلب منّي أتحمم. بمجرّد ما خلصت رجّعني على السجن نفسه، وربّطلي إيديّي ورجليّي بالسرير. خلص هون تأكدت إنّه في شي حيصيرلي. بعد ساعات دخل (أ.ب) واغتصبني، وبعدها أمر العناصر باغتصابي؛ كنت شايفتهن صافّين بالدور ورا بعضهن، كانوا خمسة”. هنا شهادات لناجيات تعرضن لانتهاكات جنسية بالغة في سجن جورين وسط سوريا.
باتت مراكز الاحتجاز في سوريا كالسجون المدنية ومقرات الأفرع الأمنية غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة للمعتقلين الذي تجاوز 225 ألف، لذلك عمد النظام السوري الى تحويل عدد من المدارس والملاعب الرياضية وبعض الابنية إلى معتقلات سرّية. وهذه أيضاً لم تعد تكفي أعداد المعتقلين التي تزداد يوماً بعد يوم منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، لذلك عمل نظام بشار الأسد على تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الى معسكرات احتجاز.
من بين هذه المراكز برز معسكر وسجن “جورين” سيئ الصيت الذي وثقت شهادات لناجيات منه كيف تمارس فيه عمليات “استعباد جنسي” وذلك كسلاح حرب لتحطيم كل من يعارض منظومة الحكم.
تحقيق: عبد الغني العريان
تحرير وإشراف: علي الإبراهيم (SIRAJ)، فريق صوت بودكاست
أُنجز هذا التحقيق بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، وبالشراكة مع صوت بودكاستونشر بالعربية على موقع درج ميديا. شارك في عملية البحث الزميلة زينة يوسف.
” بدي أنتحر…” بهدوء واقتضاب شرحت لينا (29 سنة)، وهي شابة سورية تعيش في أحد مخيمات النازحين في شمال سوريا سبب الدماء التي تسيل من وريدها، بعد سؤالها عن السبب بعد نجدتها من مقربين لها ونقلها للعلاج.
جواب الشابة حصل خلال حديث معد التحقيق معها حيث التقينا بها صدفة في إحدى النقاط الطبية ضمن مخيمات ريف ادلب. وهي ليست المرة الأولى التي تنجو فيها لينا (اسم مستعار) من محاولة الانتحار. تجلس الصبية متعبة، فيما تضغط أمها تضغط يدها بقوة لإيقاف النزيف وترمقها بنظرات محاولة منعها من إكمال الحديث.
تمت معالجة لينا من جروحها، لكن قصتها كانت شرارة لبحث طويل كشف تفاصيل صادمة عن شبكة “استعباد جنسي” تنشط في بعض سجون النظام السوري، بحسب شهادات ناجيات وبحسب وصف نشطاء وحقوقيين، قابلناهم في هذا التحقيق.
وقد تقاطعت شهادات الناجيات على ذكر اسم ضابط سوري في سجن جورين والذي انتشرت أنباء عن مقتله في ظروف غامضة قبل أسابيع قليلة من نشر هذا التحقيق.
حكاية لينا
عام 2014، كانت الثورة السورية دخلت عامها الثالث وسط تصاعد كبير للعنف بسبب إصرار النظام على قمع الاحتجاجات وسقوط ضحايا واعتقال وسجن مئات المعارضين والنشطاء والناشطات.
كانت الاعتقالات عشوائية وتحدث بدون سبب واضح.
وقد اعتقلت لينا في أيار/ مايو 2014 عند حاجز جورين العسكري التابع لمنطقة سهل الغاب في محافظة حماة وسط غرب سوريا، وهي في طريقها من محافظة إدلب مسقط رأسها إلى جامعة تشرين في مدينة اللاذقية غرب البلاد.
بعد ثلاثة أسابيع أمضتها في سجن منفرد في معسكر جورين (مقر خدمي ومدرسة تم تحويلها لمعتقل) نُقلت الفتاة إلى سجن جورين للتحقيق معها، حينها تعرضت الفتاة لانتهاكات مختلفة بداية من التحرش والتعذيب وصولاً للاغتصاب واجبارها على العمل الجنسي في سجن جورين العسكري، بحسب ما أفادت معد التحقيق.
بحسب شهادة لينا ونساء أخريات التقينا بهن في سياق إعداد هذا التحقيق تكرر ورود اسم ضابط سوري بوصفه المشغل الأساسي للسجينات، “بعد وصولي إلى قسم النساء بسجن الأمن العسكري، المقام ضمن مدرسة إعدادية، حطّوني بـ(المنفردة) شي 3 أسابيع ورا بعض. وبعدين طلبوني للتحقيق… كانوا إيديّي مربوطين وعيوني مطمّشين.دخّلوني غرفة التحقيق، ولمّا شالوا الغطا عن وجهي… وقتها هنيك التقيت لأول مرة بـ (أ.ب) وهو الضابط المسؤول. طلب منهن يفكّوني ويطلعوا من الغرفة.
قلي تقدري تقعدي لبين ما يجي فنجان الشاي اللي طلبتلك ياه. هون أنا اطّمنت شوي، فكرت عيلتي تدخّلت أو دفعت مصاري لحتى اطلع من السجن، بس بعد شوي بدأ يحط إيده عليّ، ولمّا قاومته قاللي إنه أحسن ما قاومه واعمل اللي بقلّي عليه، وهدّدني إنه راح اتعرض للتعذيب وراح يخلي جميع العناصر يغتصبوني كل يوم. لمّا رفضت، طلب من السجان إنه يبدأوا عملية التعذيب. اكثر من خمس ايام ورا بعض كان يتم تعذيبي ساعات متواصلة، تعرّضت للشبح، وخلال الشبح كان يدخل واحد من العناصر ويتحرش فيني بإيده ويمارس العادة السرّية قدامي. ولمّا يطلع يجي السجان يسألني إذا قبلت بشروط الضابط ولا لأ. كان جوابي لأ دائماً. بعد شهر حوّلوني من سجن المنفردة على مهجع، كان فيه أكثر من 20 سيدة، عرفت بوقتها إنه هدول النساء رفضوا طلبات (أ.ب)، وخبّروني إنهن هون منسيين من أكتر من سنة.”
الوقائع التي وصفتها لينا في شهادتها حصلت في سجن جورين، ويعتبر معسكر جورين، والذي يضم سجناً سرياً واحداً من أكبر معسكرات النظام غرب سوريا ويبعد من مركز مدينة حماة 90 كيلومتراً، ويبعد من قرية جورين الموالية للنظام السوري حوالي 3 كم (في أطراف القرية)، ويعتبر المعسكر الأكثر تحصيناً حيث يتم منه قصف المدن والقرى في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، وفيه 13 بناء بارتفاع 3 طبقات للبناء الواحد ومحصن بالسواتر العالية والدشم.
أنشأ معسكر جورين رفعت الأسد (شقيق رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد) وكان يطلق عليه اسم معسكر سرايا الدفاع وتحول بعدها إلى ثانوية زراعية، وفي 2012 أعيد استخدامه كمعسكر ومركز تجمع للمعتقلين من حواجز سهل الغاب إلى معسكر دير شميل، يضم سجناً سرياً يسمى سجن معسكر جورين، ويخضع هذا المعتقل للأمن العسكري والمخابرات الجوية وميليشيا الدفاع الوطني.
مديرة قسم المعتقلين في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، أكدت أن سجن جورين معسكر احتجاز غير رسمي، وبدأت الشبكة رصده في نهاية عام 2012. بحسب الخطيب فإن الشبكة وثقت اختفاء حافلات تقل مدنيين خلال مرورها في المنطقة المحيطة بالسجن، وترجح أن نقاط التفتيش التابعة للسجن تقف وراء عمليات الاحتجاز والخطف.
الاستعباد الجنسي؟
خرجت الشابة لينا من معتقل جورين بعد أكثر من ثلاث سنوات تعرضت خلالها لجلسات تعذيب و”استعباد جنسي“، إذ أُجبرت ومعتقلات أخريات على ممارسة الجنس لقاء أموال يحصل عليها المشغلون وهم بشكل أساسي ضباط في مراكز الاعتقال.
خرجت لينا فيما لا تزال عشرة آلاف و556 سجينة قيد الاعتقال أو الإخفاء القسري، 90 في المئة منهن في سجون ومعتقلات النظام السوري، حسبما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
بحسب الأمم المتحدة يشير مصطلح “الاستعباد الجنسي” إلى الاغتصاب والتجارة الجنسية، والبغاء القسري، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعقيم القسري، وغيرها من أشكال العنف الجنسي التي تحمل الأثر ذاته الذي تتعرض له النساء والرجال والفتيات والفتيان، سواء كان ذلك تعرضاً مباشراً أو غير مباشر، مما يتصل بالعنف اتصالاً موقتاً أو جغرافياً أو عرفياً.
الاعتقال في سجون النظام السوري هو مرحلة أولى من سلسلة انتهاكات أُبلغ عنها سواء تلك التي تم استخدام الاغتصاب كجزء روتيني من محاولات المحققين لانتزاع اعترافات في مراكز الاعتقال، أو الاغتصاب والتحرش الجنسي في أكثر من 30 مركز اعتقال تابعاً للنظام السوري بحسب تقرير الشبكة السورية الصادر نهاية عام 2021.
شكلت حالة لينا دافعاً لفريق من الصحافيين والباحثين للبحث عن ناجيات يشاركن الشابة المعاناة ذاتها.
تمكّن صحافيون في الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية السورية، “سراج”، بالشراكة مع فريق صوت بودكاست، وموقع “درج” من الوصول إلى سبع حالات لسيدات ناجيات من سجون النظام السوري حيث تعرضن لانتهاكات جنسية بالغة في سجن جورين وسط سوريا بحسب ما ذكرن في شهاداتهن لمعدي التحقيق.
رفضت ثلاث فتيات الحديث عما تعرضن له في المعتقل، فيما وافقت أخريات على البوح شريطة إخفاء هوياتهن، لحمايتهن من الوصم الاجتماعي الذي قد يلاحقهن إذا كشفت أسماؤهن.
تمكن الفريق من الوصول أيضاً إلى الممرّضة التي عالجت المعتقلات.