الصومال.. جرح ينزف على امتداد 18 عاما. شعبه العربي المنكوب لا يعرف أمنا ولا استقرارا في ظل صراع دام، حوّل البلاد بطولها وعرضها إلى ساحة اقتتال. والمتصارعون لا يعنيهم شعبهم الذي يزداد فقراً كلما استعرت معاركهم. حتى صار أكثر شعوب العالم فقرا بلا منازع. بل ويقال إنهم يستعينون بالأطفال الصغار ليكونوا وقودا إضافياً للحرب الأهلية المستعرة.. فصائل مسلحة تجردهم من طفولتهم وتجندهم لحسابهم.
الصومال.. حالة مأساوية نادرة من الفوضى لا نظير لها في عالمنا المعاصر. منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري في عام 1991، والبلاد على أرض الواقع.. بلا حكومة مركزية قوية تقود البلاد إلى بر الأمان. والمحصلة كما تؤكد أرقام وكالات الإغاثة الدولية، أن أربعة ملايين صومالي أي ثلث السكان باتوا على شفا المجاعة ويحتاجون إلى إمدادات غذائية عاجلة، علاوة على وجود صفوف طويلة تقدر بمئات الآلاف من اللاجئين.
الموقف الآن يزداد سوءاً.. فنيران القتال تلتهم العاصمة مقديشو. قتال ضار ضحاياه العشرات من القتلى على مدى الأيام الماضية، انتقل حول القصر الرئاسي ومناطق شمالي العاصمة. المعارك قد لا تقتصر على طرفيها: القوات الحكومية ومسلحي حركة الشباب، بل أعلن مسؤولو عناصر المحاكم الإسلامية في منطقة هران انسحابهم من اتفاق العمل مع الحكومة المؤقتة في البلاد.. وقالوا إنهم سيقاتلون الآن قوات الحكومة. الأخطر أن القتال.. كما تقول مصادر حكومية.. انضم إليه مقاتلون أجانب من خارج الصومال.
لقد فرضت مأساة الصومال نفسها على قمة دول الاتحاد الأفريقي التي عقدت في مدينة سرت الليبية. ولكن بدلا من تعزيز قوات الاتحاد ومنحها تفويضا أقوى لفرض وجودها بالقوة وهو ما تريده حكومة الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد، اكتفت القمة بإدانة التمرد ودعم الحكومة في الصومال واتهمت اريتريا بدعم المتمردين، وتوجيه نداء إلى مجلس الأمن الدولي ليتخذ تدابير فورية بما فيها فرض منطقة للحظر الجوي وغلق المرافئ البحرية للحؤول دون دخول عناصر أجنبية إلى الصومال، وطلبت أيضا فرض عقوبات على جميع المتدخلين الأجانب وخصوصا اريتريا، الذين يقدمون دعما إلى المجموعات المسلحة.
ويبدو أن الاتحاد الافريقي يتلافى على استحياء التورط عسكريا أكثر من اللازم هناك. فوعوده بإرسال المزيد من القوات.. لم تتحقق حتى الآن على ارض الواقع بعد أن كان يخطط لإرسال ثمانية آلاف جندي.
الصومال كدولة وحكومة في حالة يرثى لها. السلطة هشة وآيلة للسقوط. ومنذ الشهر الماضي، يستغيث النظام حتى ترفع المعاناة عن كاهله، إلى درجة أن رئيس البرلمان الصومالي الشيخ آدم مدوبي دعا المجتمع الدولي والدول المجاورة للصومال إلى التدخل عسكريا لإنقاذ الحكومة الصومالية التي تتعرض لضربات مقاتلي المعارضة. الصومال يئن، وللأسف.. لا يسمع بني عروبته أنينه. الصمت العربي على نزيفه الدامي يعني أنه لا يعامل كعضو من الدرجة الأولى في المنظومة العربية.