أدت خسارة القوات الروسية لسيطرتها على مدينة ليمان الاستراتيجية في شرق أوكرانيا، لحالة من الجدل في أوساط روسيا وهجوم “غير مسبوق” على القادة العسكريين الروس، بينما حاول الكرملين تبرير “الانتكاسة” زاعما أن موسكو تقاتل “الغرب بأكمله”.
وأعلنت أوكرانيا، الأحد، “استعادة السيطرة الكاملة” على بلدة ليمان، وهي مركز للنقل والإمداد في شرق البلاد، فيما يمثل أكبر انتصار لكييف في ميدان المعركة منذ أسابيع.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، السبت، إنها ستسحب قواتها من منطقة ليمان “بسبب تهديد يتعلق بمحاصراتها”، قبل أن تعلن القوات الأوكرانية “تحرير المدينة بالكامل”.
وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم أربع مناطق تمثل ما يقرب من خُمس مساحة أوكرانيا بينها دونيتسك حيث تقع ليمان، وهي الخطوة التي نددت بها كييف والغرب وتم وصفها بـ”مهزلة غير قانونية”.
وفي مايو، سقطت ليمان في يد القوات الروسية التي استخدمتها كمركز للوجستيات والنقل لعملياتها في شمال منطقة دونيتسك، وفقا لـ”رويترز”.
وخلال الاحتلال الروسي الذي استمر ستة أشهر، كانت القطارات تنقل عبر السكك الحديد هذه إمدادات لقوات موسكو المنتشرة جنوبا ما جعل من هذه المحطة مركزا لوجستيا حيويا للعمليات العسكرية الروسية، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتم تكليف حوالي 5000 جندي روسي بالسيطرة على ليمان، ويعتقد أن المئات منهم قُتلوا أو أُسروا أثناء فرارهم، ويشكل السيطرة على المدينة نقطة انطلاق لمزيد من المكاسب الأوكرانية في الشرق ويزيد من الضغوط على الكرملين، وفقا لتقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية.
هجوم على “القادة العسكريين”
تدفق سيل من الاتهامات العلنية والمشاحنات حول المسؤول عن الانتكاسات الأخيرة لموسكو على قنوات “تلغرام المتشددة الموالية للكرملين”، وفقا لتقرير لصحيفة “واشنطن بوست“.
وأدت خسارة القوات الروسية، إلى هجوم غير مسبوق من “شخصين قويين” تقاتل قواتهما بجانب قوات موسكو في أوكرانيا.
وكان البداية بتوجيه الزعيم الشيشاني، رمضان قديروف، اتهامات للقادة العسكريين الروس، داعيا إلى “استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا”.
وفي منشور على تلغرام، السبت، قال قديروف الحليف المقرب من بوتين والذي تقاتل قواته إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، في رسالة على تلغرام “في رأيي أنه ينبغي اتخاذ إجراءات أكثر حزما، وصولا الى إعلان الأحكام العرفية في المناطق الحدودية واستخدام أسلحة نووية محدودة القدرة”.
وفي رسالة شديدة اللهجة، هاجم قديروف، الجنرال الروسي المكلف العمليات حول مدينة ليمان، الكسندر لابين، “لم يؤمن الاتصالات والتفاعل والامداد الضروري على صعيد الذخائر” للجنود الذين كانوا يدافعون عن المدينة.
في تصريحات علنية نادرة، هاجم رجل الأعمال الروسي المقرب من الكرملين ومؤسس مجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، قادة الجيش الروسي.
وقال في إشارة واضحة إلى كبار القادة العسكريين الروس “أعتقد أننا يجب أن نرسل كل هؤلاء الأوغاد حفاة الأقدام إلى الجبهة بالبنادق الآلية”، وفقا لـ”واشنطن بوست”.
وتقاتل مجموعة “فاغنر” إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، وفي نهاية الشهر الماضي أقر بريغوجين، بتأسيس المجموعة شبه العسكرية العام 2014 للقتال في أوكرانيا واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وأميركا اللاتينية خصوصا.
وظهر في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماع وهو “يجنّد سجناء في سجن روسي للقتال في صفوف مجموعة فاغنر على الجبهة الأوكرانية”.
وفي منشور على حسابات شركته “كونكورد” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجين أنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين مؤهلين إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014، وفقا لـ”فرانس برس”.
ووصفت إيلينا بانينا ، عضوة مجلس “الدوما الروسي” السابقة ومديرة مؤسسة Russtrat البحثية الموالية للكرملين، الهجمات العلنية على شخصيات عسكرية روسية بارزة بأنها “غير مسبوقة”، معتبرة أن استعادة أوكرانيا للسيطرة على ليمان “عمل عدواني مباشر ضد روسيا”، وفقا لما نقلته “واشنطن بوست”.
وفي دعوة لإقالة كبار المسؤولين العسكريين الروسي، دعت إلى “تغييرات نوعية في الأفراد ذات طبيعة تنظيمية وتشغيلية”، مضيفة الفوز في الحرب يتطلب “جهدا خارقا”.
وندد المدونون الروس المؤيدون للحرب بانسحاب “قوات موسكو من ليمان”، منتقدين “الانتكاسات المتتالية للقوات في ساحة المعركة”، ومتهمين “القادة العسكريين” بالتسبب في ذلك، وفقا لـ”التايمز”.
وفي تعليق عبر قناته بتطبيق “تلغرام”، وصف منفذ “ريدوفكا” الإخباري الموالي للكرملين البث العلني للاتهامات بأنه “أسوأ من الخيانة” ودعا إلى وضع حد لـ”الاتهامات العامة “.
الكرملين يبرر
سعى الكرملين لتبرير خسارة القوات الروسية لـ”ليمان”، مستخدما قنواته الدعائية للزعم أن موسكو في حالة حرب مع “الغرب بأكمله”، وفقا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“.
وفي البرنامج السياسي الروسي الأكثر شهرة على شاشة القناة الأولى الرسمية، تم بث مقابلة مع بعض الجنود الذين قالوا إنهم “أجبروا على التراجع لأنهم كانوا يقاتلون جنود الناتو وليس الأوكرانيين فقط”.
ويهدف ذلك لـ”إقناع الروس الذين لديهم شكوك بشأن الحرب أو يشعرون بالغضب من خطط استدعاء ما يصل إلى 300 ألف مدني”، بأنهم يجب أن يتحملوا “المشاق” لمواجهة الغرب الذي يريد تدمير روسيا بأي ثمن، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
وتمثل خسارة ليمان “فشل استراتيجي جديد لقوات موسكو في حربها التي استمرت سبعة أشهر”، ورغم محاولات بوتين “تغيير مجرى الأمور عن طريق إصدار أوامر بتعبئة “جزئية” لجنود الاحتياط الشهر الماضي”، لكن الانتكاسة الأخيرة كشفت عن “قصورا بالقوات الروسية”، وفقا لـ”التايمز”.
“الحرة”