نشر موقع مجلة “ذي أتلانتك” مقالا لتوماس تشتارتون ويليامز، الناقد الثقافي الأمريكي، ناقش فيه الكيفية التي استخدم فيها اليمين الفرنسي المتطرف مقتل فتاة عمرها 12 عاما في حربه الإثنية القومية.
وتحت عنوان “الجريمة المشحونة سياسيا تهز باريس” قال إنه في 14 تشرين الأول/أكتوبر عثرت الشرطة على جثة فتاة شقراء عمرها 12 عاما اسمها لولا مطوية في حقيبة بلاستيكية بساحة مشروع سكني تعيش فيه عائلتها بالدائرة 19 من باريس.
وكشف التشخيص الرسمي لوفاتها تعرضها للاختناق، لكن المحققين عثروا على إشارات تعذيب على رقبتها ووجهها وأرقام كتبت ولسبب غير مفهوم، صفر و10 وربما تعرضت لانتهاك جنسي.
وتسيدت عملية القتل الصادمة والوحشية الأخبار في فرنسا وتردد صداها في معظم قواعد اليمين المتطرف ومنصات التواصل الاجتماعي خارج أوروبا. والسبب هو أن المتهمة الرئيسية بقتلها امرأة جزائرية “ذهبية ب” البالغة من العمر 24 عاما وتعيش في فرنسا بطريقة غير قانونية بعد انتهاء إقامة الطالب التي دخلت البلاد بموجبها. وهي بدون عمل ولا عنوان ثابتا لها و”عانت من الحلم وهي ماشية” وأطلقت تعليقات غير متماسكة حسب شقيقتها. وتلقت أمر ترحيل في 21 آب/أغسطس عندما أوقفها ضابط جمارك في مطار باريس.
وبطرق عدة فقد كان الرد على هذه الجريمة متوقعا. وعلقت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني المتطرف، المرشحة الخاسرة في السباق الرئاسي العام الماضي أمام الجمعية الوطنية يوم الثلاثاء: “مرة أخرى، ما كان يجب أن يسمح لمرتكب هذه الجريمة البربرية البقاء في فرنسا” و”ماذا تنتظرون حتى تتحركوا وتوقفوا عمليات الهجرة هذه الخارجة عن السيطرة”.
وتفوق اليميني المتطرف والكاتب والشخصية الإعلامية إريك زمور على لوبان وأتم أسبوعا من النشاط والتغريدات المحمومة حول جريمة القتل بهاشتاغ دعا فيه للتظاهر من أجل لولا في باريس مساء الخميس. وبحسب صحيفة “لوموند” فقد شارك في التظاهرة التي دعا إليها زمور زعيم حزب الاسترداد، حركة العمل الفرنسي والملثمون العنيفون من جماعة زويف والجماعة المسيحية سيفيتاس. وهتفوا بهتافات معادية للمهاجرين قبل أن يفرق المطر والبرق جمعهم “أعيدوهم” و”الموت لمنتهكي الأطفال” و”هذا وطننا” بشكل عكس انتماءات المتظاهرين.
وطالبت عائلة لولا بعدم تحويل مقتل ابنتها لسلاح سياسي، إلا أن زمور ولوبان والمتعاطفين معهما أصروا على ضرورة شجب إدارة إيمانويل ماكرون وعدم السماح لها بالفرار من المسؤولية عن أزمة الهجرة غير الشرعية. ولديهم نقطة ضد الحكومة، فبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” حددت السلطات أكثر من 62.000 مهاجر غير شرعي يجب ترحيلهم منتصف 2021، ولم يغادر منهم إلا أقل من 6% منذ انتخاب ماكرون أول مرة عام 2017 (لم تتجاوز النسبة عن 15%).
ويرى الكاتب أن من حق أي بلد تعزيز سلطته على حدوده وفشلت فرنسا في طرد العدد المناسب من المهاجرين غير المسجلين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية أو مثل ذهيبة ب تجاوزوا إقامتهم. والحديث عن هذه الحقيقة لا يعني أن أمرا محددا قد يصبح حالة عامة، فالمهاجرون وبعيدا عن وضعهم هم مجموعة متنوعة أخلاقيا كأي جماعات أخرى، وكون الخطاب أصبح شريرا لا ينتمي للتحريض الخفي على العنصرية. ففي السنوات القليلة الماضية انتشر شعار “قتل البنات” حيث كتب على الجدران من أجل التوعية بالواقع اليومي للعنف الموجه ضد الإناث والذي لا يظهر عادة في عناوين الأخبار.
وفي أيلول/سبتمبر قدم زمور مصطلحا جديدا مشتقا “الضرب، الاغتصاب، القتل، وضرب المهاجر للرجل الفرنسي والمرأة الفرنسية ليس أمرا جديدا”. و”لم يعد هناك أي خبر عن قتل زوج لزوجته، وهي حقيقة سياسية أسميها قتل الفرنسية”. وحصل هذا المصطلح الإثني على رواج منذ مقتل لولا قبل أسبوع، وبخاصة في منصات التواصل الاجتماعي. ودفع به الافتراض القائم على أن جريمة يرتكبها مهاجر غير فرنسي هي جريمة عنصرية أو افتراس عنصري. وما لم يقل أو يقصد منه هو أن الفرنسية هي قرينة بالبياض والأجانب هم مساوون لغير البيض.
وكما قال الكاتب رفائيل إنثوفين في رده على زمور عبر تغريدة “القتال ضد قتلة الفرنسيين سيكون أقل حيوية لو كانت الضحية هي مسلم فرنسي أسود أو كاثوليكي بولندي”. ورغم صعوبة إثبات الحقيقة المضادة إلا أنه من الصعب تخيل القوميين حاملين مظلاتهم تحت المطر يحتجون على مقتل مسلم أسود أو بولندي كاثوليكي. وما يكشفه القتل الصارخ لفتاة عمرها 12 عاما على يد شخص مضطرب هو أن العودة للخطاب المجرد حول الهوية والهوية الفجة يحجب الحقائق عن الطبيعة الإنسانية بدلا من إضاءتها.
“القدس العربي”