من الآثار الجانبية البارزة للحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها، تطور العلاقات بين طهران وموسكو على مستويات مختلفة، أكان عسكرياً أو تقنياً أو اقتصادياً. وهذا التطور وصل الى حد دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الى التحذير من خطر العلاقة بين روسيا وإيران على العالم بأجمعه.
وهنا مفارقة أساسها أن لبيد، وخلفه القيادة الأمنية-العسكرية في إسرائيل، يرفض مساعدة أوكرانيا عسكرياً لتجنب المزيد من التوتر في العلاقة مع روسيا، وفي ظل دورها ووجودها في سوريا. وهذا موقف كان المنافس الأكثر حظاً رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يتشارك به مع لبيد حتى وقت قريب، إذ بدأ يطلق تصريحات عن نظره في المساعدات الممكنة في حال انتخابه. لكن هذه تصريحات انتخابية بحت، ومن الصعب على أي رئيس حكومة اتخاذ قرار من هذا الصنف من دون أخذ رأي السلطة الأمنية-العسكرية في البلاد.
والقلق الإسرائيلي هنا نابع أولاً من الاتهامات الأوكرانية لروسيا باستخدام مسيّرات إيرانية من طراز “شاهد –136″ و”مهاجر 6”. الاستخدام الروسي لهذه المسيّرات يحمل انعكاسات معنوية على الجانب الإيراني، وهذا كان واضحاً في الكلام الأخير لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي عن الصناعات العسكرية الإيرانية التي كانت حتى وقت قريب محل استهزاء ( اتهامات للنظام باستخدام برنامج فوتوشوب للتلاعب بالصور). وهذا ينسحب كذلك على اطلاق السلطات الروسية القمر الصناعي الإيراني (خيام) من قاعدة “بايكونور” الفضائية في كازاخستان في 9 آب (أغسطس) الماضي. باتت ايران في مصاف الدول المصدرة للمسيّرات (مثل تركيا)، إذ سبق أن سلمت طهران هذا السلاح (شاهد 136) الى القوات الاثيوبية التي استخدمتها في حربها الدموية والحافلة بالانتهاكات مع جبهة “تيغراي”. تصدير الأسلحة الإيرانية وارتفاع الطلب عليها يُعزز هذا القطاع، وربما كذلك يزيد مستوى الاستثمار الإيراني فيه.
من أسباب القلق الإسرائيلي كذلك هو احتمال انتقال العلاقة الإيرانية-الروسية الى طور جديد على كافة المستويات (أهمها العسكري طبعاً). هناك خطط طموحة لرفع التبادل التجاري بين البلدين عشرة أضعاف (من أربعة مليارات دولار حالياً الى أربعين) وتجاوز العقوبات بنظام تبادلات بالعملة المحلية، وربط ايران بمشروع مواصلات طوله 7200 كليومتر يبدأ بمومباي في الهند، مروراً بآذربيجان وصولا الى روسيا.
على المستوى العسكري، واضافة لبيع المسيّرات، هناك رغبة إيرانية في تجديد سلاح الجو، من خلال الحصول على مقاتلات”سوخوي 34″الحديثة (النظام الإيراني يملك مقاتلات روسية من السبعينات)، رغم أن مثل هذه الصفقة غير واضحة المعالم بعد، وستنعكس في حال حصلت على علاقة روسيا بدول معادية لإيران في المنطقة، أولها إسرائيل المترددة حالياً في تزويد أوكرانيا بمنظومة دفاع جوي متقدمة.
صحيح أن مثل هذا التقارب الاستراتيجي دونه انشغال روسيا بحرب في أوكرانيا وعقوبات أميركية-أوروبية عليها، علاوة على انقسام بين السياسيين الايرانيين حيال مثل هذه الخطوات رغم ضيق الخيارات.
لكن، وفي هذا الظرف، للطرفين مصلحة في إظهار التقارب بينهما، والمقايضة مع الخصوم والحلفاء. طهران كسبت اعلامياً، وتعتبر التعاون العسكري مع موسكو مفيداً لها، لكن ذلك لا يعني اطلاقاً أنها تخلت عن مسار المفاوضات مع الغرب، بل الأرجح أن هناك من يرى في مثل هذه الخطوات حوافز لواشنطن وبروكسيل في تحييد ايران عن الحرب.
رغم التعاون في مجال المسيّرات، يبقى النظام الإيراني في موقع التفاوض، ويرغب في استخدام هذه اللحظة الحرجة دولياً، وجمع الأوراق الممكنة قبل العودة الى الطاولة للمقايضة.
“المدن”