أورين زيف؛ وميرون رابوبورت* – (مجلة 972+) 19/10/2022
شوهد جنود إسرائيليون وهم يقطفون ثمار أشجار الزيتون الفلسطينية بعد حصولهم على إذن من مجموعة مستوطنين. وعندما ذهب الفلسطينيون لحصاد محصولهم في اليوم التالي، منعتهم قوات الشرطة.
* * *
أصبح بستان زيتون في حي سلوان في القدس الشرقية أحدث موقع للصراع المستمر بين السكان الفلسطينيين، الذين يزرعون هذه الأشجار ويتعهدونها منذ أجيال، والسلطات والمنظمات الإسرائيلية التي تطمع في الاستيلاء على هذه الأراضي والممتلكات في المنطقة منذ سنوات، كجزء من أجندتها لتهويد القدس الشرقية.
في 6 تشرين الأول (أكتوبر)، شوهدت مجندات من الجيش الإسرائيلي في الزي الرسمي وهن يلتقطن ثمار الزيتون من الأشجار في وادي ربابة في سلوان، وهو قطاع من “وادي هينوم” الذي هو جزء من حديقة وطنية حول أسوار البلدة القديمة في القدس. وعلى الرغم من أن هذه المنطقة تقع ضمن اختصاص “سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية”، فقد تم تصنيفها على أنها “منطقة زراعية”، وتولت إدارتها على مدى العامين الماضيين “إلعاد”، وهي منظمة استيطانية شاركت بشكل مركزي في التعديات الإسرائيلية على بلدة سلوان.
وكان موقع “لوكال كول” قد كشف في تموز (يوليو) عن توقيع عقد بين “إلعاد” و”سلطة الطبيعة والحدائق”، الذي ينص على أن تكون “إلعاد” مسؤولة عن إدارة “المنطقة الزراعية” المعينة حديثًا لمدة عشر سنوات. ووجد التحقيق أن إبرام العقد بعد أن التقى رئيس “سلطة الطبيعة والحدائق” في ذلك الوقت، شاؤول غولدشتاين، بمتبرع أميركي وعد بتقديم تبرع كبير لمنظمة “إلعاد” بشرط أن تكون هي المسؤولة عن المزرعة لفترة طويلة.
وكان مدير المنطقة الزراعية من “إلعاد” قد وعد المزارعين الفلسطينيين في سلوان -الذين لطالما تعهدوا هذه الأشجار واعتنوا بها لعقود- بأنهم سيكونون قادرين على مواصلة العناية بالأشجار وحصاد الزيتون في المنطقة، وأنه لن يسمح للزوار الخارجيين بذلك. ولكن، عندما وصل مزارعون فلسطينيون لقطف الثمار في 7 تشرين الأول (أكتوبر) -وهو اليوم التالي لزيارة كان قد قام بها الجنود إلى هناك- منعتهم قوات الشرطة من الوصول، واحتجزت ناشطَين إسرائيليين يرافقان المزارعين، واعتقلت شابًا فلسطينيًا.
بدأت “إلعاد” العمل في سلوان قبل 20 عامًا بعد الاستحواذ على الموقع المعروف اليوم باسم “مدينة داود”، وهي حديقة توراتية في قلب الحي، على الرغم من معارضة السكان الفلسطينيين والمنظمات اليسارية.
وفي الوقت نفسه الذي تم فيه إنشاء “المنطقة الزراعية” تقريبًا في العام 2021، وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على بناء “تلفريك” سيمر فوق وادي ربابة، مع التخطيط لأن تكون محطته النهائية هي سطح مبنى تقوم “إلعاد” ببنائه حاليًا في سلوان، بالقرب من سور البلدة القديمة. وتم وضع حجر الأساس في أواخر الشهر الماضي لإنشاء جسر الكابلات المعلق، الذي سيتمد من جبل صهيون، على الضفة الشمالية للوادي، إلى مبنى على الضفة الجنوبية كانت إسرائيل قد اشترته على مشارف حي أبو طور الفلسطيني، الذي حولته إلى حديقة.
”يجب أن يحرس الجيش الحدود -والآن يقطف الزيتون”؟
تشمل منطقة وادي ربابة التي نُقل الإشراف عليها إلى “إلعاد” أراضي ومباني إما مملوكة حاليًا لفلسطينيين من سكان القدس، أو تم إعلانها “أملاك غائبين” -وهي ممتلكات صودرت من الفلسطينيين الذين اعتبرتهم إسرائيل “غائبين” بعد فرارهم أو طردهم.
أصدرت بلدية القدس “أوامر بستنة” لبعض المناطق المملوكة للقطاع الخاص، في حين أن “إلعاد” مكلفة بتنفيذ أعمال البستنة نيابة عن “سلطة الطبيعة والحدائق”. وتم تسجيل الأرض التي كان الجنود يحصدون الزيتون فيها هذا الشهر على أنها “أملاك غائبين” في العام 2021، لكن الفلسطينيين يقولون إنهم ما يزالون يعتنون بهذه الأشجار منذ عقود.
كان الهدف من إنشاء “المنطقة الزراعية” هو “استعادة الزراعة التوراتية بنهج حديث”، كما قال مدير مزرعة “إلعاد” لموقع “لوكال كول” خلال زيارة إلى المنطقة قبل حوالي شهرين. وقال المدير إنه على الرغم من أن المنطقة الزراعية مسيجة، إلا أنه ما يزال يُسمح لأصحاب الأراضي الفلسطينيين بالدخول للعناية بالأشجار وحصادها عندما يأتي الموسم. وقال أيضًا لأن المنظمة لا تجلب الزوار إلى قطع الأراضي المزروعة بالزيتون ولا تسمح لهم بالحصاد هناك، وأنها تقوم فقط بأعمال التطوير في هذه القِطع.
وبعد بضعة أسابيع لاحقًا، عندما سأل النشطاء المدير عن التغييرات التي حدثت والتي سمحت للجنود بالدخول إلى منطقة الأشجار وحصادها في وقت سابق من هذا الشهر، أجاب بأنه تلقى توجيهات جديدة من “سلطة الطبيعة والحدائق” تسمح لهم بقطف الزيتون هناك. ووفقًا له، فإنه لم يكن لديه هذا الإذن قبل شهر ونصف.
وأوضح إبراهيم سمرين، أحد سكان سلوان الذي يقول إنه يمتلك قطعة أرض في المنطقة سُلمت إلى “إلعاد”، أن الوضع ازداد سوءا منذ تولي هذه المنظمة الإدارة قبل نحو عامين. “لدينا وثيقة تسجيل الأراضي التي تثبت أن هذه الأرض أرضنا. ثم فجأة جاؤوا وأخذوها. المفروض أن الجيش يهدف إلى حراسة حدود البلاد، والتعامل مع الأمن، والآن يقطف الزيتون؟ لا يسمح لنا بقطاف الزيتون، ويُسمح لهم بذلك؟”.
وقال سمرين إن “إلعاد” أكدت لأصحاب الأراضي الفلسطينيين أن المنظمة “تقوم فقط بتنظيف المنطقة، وإننا نحنُ (المزارعين) نستطيع حصاد الأشجار. لكنهم في الواقع يفعلون شيئا آخر. لقد دمروا الأشياء التي بنيناها من أجل إنشاء مصاطب هم أنفسهم”.
وشدد سمرين على أن المشكلة لا تتعلق فقط بالزيتون، بل بالمحاولة الأوسع التي تقوم بها الدولة الإسرائيلية والجماعات الاستيطانية للاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في المدينة. ويقول: “في سلوان، لا يوجد مكان لبناء المنازل. هذه هي المنطقة الوحيدة المتبقية لنا”.
”يريدون ضربنا حيث يؤلمنا ذلك أكثر ما يكون”
كتب راز هاندلر، وهو ناشط إسرائيلي كان حاضرًا في 6 تشرين الأول (أكتوبر) عندما دخل الجنود بستان الزيتون، منشورًا على “فيسبوك” نقل فيه عن أحد السكان الفلسطينيين الذين شاهدوا الجنود وهم يقطفون محصول الزيتون من بعيد: “هل تعرف لماذا لا يحصدون (الإسرائيليون) هناك (في أجزاء أخرى من الوادي)، لكنهم يريدون أن يحصدوا هنا بهذه الطريقة السيئة للغاية؟ لأنهم يريدون ضربنا حيث يؤلمنا ذلك أكثر ما يكون. إنهم يعرفون أننا اعتنينا بهذه الأشجار لسنوات وسنوات. وهم يعرفون ما يرمز إليه الزيتون بالنسبة لنا، وهم يريدون أن يضربونا مباشرة في القلب. وهذا مؤلم”.
”على مدى مئات السنين، كان السكان الفلسطينيون في وادي ربابة/ بن هينوم يزرعون أشجار الزيتون ويعتنون بها”، يقول أوري إيرليخ، المنسق الإعلامي لمنظمة “إيميك شافيه”، وهي منظمة غير حكومية تكافح ضد استغلال المواقع الأثرية والتراثية كأدوات سياسية لتجريد الفلسطينيين من الأملاك. ويضيف: “إن محاولة الشرطة منع الفلسطينيين من القطاف هي جزء من محاولة لإلغاء التاريخ الفلسطيني للوادي -وهو ما يشكل في حد ذاته جزءًا من إجراءات تهويد القدس الشرقية بقيادة الدولة و’سلطة الطبيعة والحدائق‘ و’إلعاد‘. وسوف يكون الفشل مصير هذه الجهود. سوف تستمر أشجار الزيتون والزراعة التقليدية للفلسطينيين في الوجود”.
وفي الرد على استفسارات من “لوكال كول”، قالت “سلطة الطبيعة والحدائق”: “نحن في موسم الحصاد. وفي الحالة المعنيّة، كان الجنود يعملون في المنطقة التي سُجلت أرضها كأراض مملوكة للدولة. وقد تم تنفيذ النشاط كما هو مخطط له. كقاعدة عامة، يتم تكليف سلطة الطبيعة والحدائق، من بين أمور أخرى، بحماية أراضي الدولة. وفي الأراضي الخاصة والأراضي غير الخاضعة للتنظيم، لا تقوم السلطة بأي حصاد. أما على أراضي الدولة، فتنظم السلطة الحصاد مع مجموعات شبابية وجنود ومتطوعين، على أراض من الواضح أنها مملوكة للدولة. وفي جميع الحالات التي توجد فيها مطالبات بملكية الأراضي، فإننا نمنع أصحاب المطالبات من القيام بأي عمل على هذه الأراضي، بما في ذلك الحصاد”.
وتابعت السلطة: “من المهم أن نتذكر أنه في أي وقت يمكن لأولئك الذين يدّعون ملكية الأرض خلافا لموقف الدولة الذهاب إلى المحكمة ومحاولة إثبات ادعاءاتهم. وعلى الرغم من ادعاءات الملكية، قبلت المحاكم مرارا وتكرارا موقفنا ورفضت ادعاءات مقدمي الالتماسات. وبناء على ذلك، سمحت الشرطة يوم الجمعة الماضي للسكان بقطف المحصول على الأراضي غير المسجلة على أنها مملوكة للدولة، ومن ناحية أخرى، طردت السكان الذين ادعوا أنهم يمتلكون الأرض من أراضي الدولة”.
ولم يتم الرد بعد على الاستفسارات المرسلة إلى “إلعاد” قبل الأعياد اليهودية.
*أورين زيف: مصور صحفي وعضو مؤسس في مجموعة “أكتيفستيلز” Activestills للتصوير الفوتوغرافي. ميرون رابوبورت: محرر في “لوكال كول” Local Call.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Why are Israeli soldiers harvesting Palestinians’ olive groves?
“الغد”