وحول عملهما الثنائي قالت عامودي “العمل عبارة عن خلاصة لتجربة فنية وأدبية، فيها ترجمة أو تناغم بين النص والمشهد البصري. سُمّيَ المعرض بهذا الاسم نسبةً إلى صحيفة فلسطين التي أسَّسها عيسى عيسى العام 1911، والتي بدأت منها فكرة العمل، حيث كنا أنا وزياد ننظر إلى الإعلانات في الجريدة، ونحاول تخيُّل كيف كان يعيش الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، فاستوحيت أنا من الإعلانات المشهد البصري، وزياد استوحى القصص، وتخيَّل تكملة هذه القصص من الأحداث التي صارت.
وقال خداش لـ”المدن”: إن الهدف العام للكتاب(أنف ليلى مراد) والمعرض(1911) القول إن فلسطين قبل 1948 لم تكن صحراء، بل مركز الثقافة العربية، والصهاينة لم يكتفوا بأخذ الأرض والاستيلاء على المقدّرات، بل دمروا أيضاً تواصل الحياة الثقافية وخصوبتها، التي كانت معروفة في عكا وحيفا ويافا والقدس. استحضرنا المشاهير الذين كانوا يأتون الى هذه المدن، فريد الأطرش، تحية كاريوكا، الجواهري، والعقاد وأم كلثوم، استخدمنا حياتهم الواقعية من خلال سرد المؤرخين وبنينا عليها القصص المتخيلة والدرامية”.
وقال الفنان التشكيلي محمد الجالوس في مقدمته للكتاب المذكور “إن زياد خداش في هذه المجموعة يستعين بالصورة من خلال الفنانة رانية عامودي؛ ليؤكِّد ارتباط النصّ السرديّ بصورة الرسّام للحكاية ذاتها، وهي تجربة ربما تكون الأولى في فلسطين لربط السرد القصصي باللون والخط لأحداث عاشها الضمير، ونستعيدها بعقولنا نحن بعدما غادر مَن غادر مِن صنّاع تلك المرحلة”.
وكتب القاص محمود شقير حول الكتاب:
على امتداد 130 صفحة من القطع المتوسط، وعبر اثنتين وثلاثين قصة مزينة باثنين وثلاثين من رسوم الفنانة التشكيلية رانية عامودي، يعيد القاص زياد خداش خلق الحياة اليومية في فلسطين كما كانت ماثلة وحاضرة بحيوية وانفتاح قبل النكبة المأساة العام 1948؛ وذلك في كتاب قصصي صادر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان للعام 2022.
زياد خداش الذي اعتاد أن يحلق عاليًا في عالم الخيال في العديد من مجموعاته القصصية السابقة، يبدع في كتابه القصصي هذا بدخوله تجربة جديدة لافتة للانتباه، وذلك حين يتخيل أن حياة أولى كانت له غير التي يحياها الآن في مخيم الجلزون وفي رام الله، وأنه كان أحد كتاب المقالات في صحيفة فلسطين التي تأسست في يافا العام 1911.
يطلعنا زياد بلغة سردية سلسة، وعبر مفارقات ممتعة حينًا، مؤلمة حينًا آخر، على بعض جوانب الحياة اليومية في القدس ويافا وحيفا وفي غيرها من المدن والقرى الفلسطينية، ويعرفنا إلى أسماء شخصيات اجتماعية وفنية وثقافية من أهل فلسطين ومن البلدان العربية الشقيقة. نتعرف على سبيل المثال لا الحصر إلى المحامي الحيفاوي المدافع عن الأرض، حنا نقارة، وإلى المربي المقدسي جورج خميس الذي علم أجيالًا من شباب فلسطين، والمربية المقدسية حياة البلبيسي التي قضت شهيدة أثناء مذبحة دير ياسين، وإلى المطربة المصرية أم كلثوم، والمطرب السوري-المصري فريد الأطرش، والأديب المصري عباس محمود العقاد، وغيرهم كثيرون ممن دأبوا على زيارة فلسطين من مصر ولبنان وغيرهما، ونتعرف إلى أشخاص عاديين لهم قصص ذات فحوى مؤلمة من جراء الغزو الصهيوني لفلسطين، واحتلال البر والبحر والبيوت والأشجار، ومن جراء الاعتداءات الوحشية التي كانت تمارسها العصابات الصهيونية باستمرار ضد الفلسطينيين.
تتجلى القصص عبر الخيال من جهة، وعبر تتبع الوقائع الفعلية المستمدة من حياة بطلات القصص وأبطالها الذين ينوب عنهم زياد وغيره من الساردين في عرض وقائع حياتهم، ويترك لهم الفرصة في أحيان غير قليلة لكي يتولوا سرد هذه الوقائع بأنفسهم، وخصوصًا حين تكون هناك أسرار مكتومة أو مفارقات مزعجة تسببت فيها النكبة التي قلبت حياة الفلسطينيين رأسًا على عقب، واضطرتهم مكرهين إلى مغادرة الوطن لكي يعيشوا في مخيمات اللجوء.
وقد أعجبتني الأقاصيص المكثفة التي وردت تحت باب “المفقودات” لما فيها من لقطات إنسانية، ومن تصوير لجوانب من النكبة التي تركت أثرًا فادحًا على الحياة اليومية للفلسطينيين.
لي ثلاث ملاحظات على هذا الكتاب القصصي؛ الأولى لها علاقة بالقصة التي يحمل الكتاب عنوانها، أقصد: “أنف ليلى مراد”، إذ كنت أتوقع أن تكون المطربة ليلى مراد وأنفها هما متن القصة وهامشها، في حين أن أم كلثوم هي التي استأثرت بمادة القصة، ولم أجد في أي من قصص الكتاب وصفًا لأنف ليلى مراد أو مجرد ذكر لها.
الملاحظة الثانية لها علاقة بالحبكة القصصية التي تفاوت مستواها بين قصة وأخرى، فقد شهدت بعض القصص حبكات غير مُحكمة وغير ناجزة، في حين ظفرت قصص أخرى بحبكات متينة شديدة الإقناع.
والملاحظة الثالثة لها علاقة بزمن القصص، ففي حين كانت تواريخ الغالبية العظمى من القصص قبل نكبة 1948 (أو بعدها بسنة أو سنتين!!)، إلا أن قصة واحدة شذت عن القاعدة على نحو شديد الوضوح، وجاءت بتاريخ 1973 في إشارة إلى قصة “حديث متقطع لآلة كاتبة” التي نشرها السارد في صحيفة فلسطين التي تصدر في يافا. ومعلوم لنا جميعًا أن صحيفة فلسطين لم تعد تصدر في يافا في ذلك التاريخ، وقد ظننت أن ثمة خطأ في الطباعة، وتوقعت أن التاريخ المقصود هو 1937 إلا أن وقائع القصة تنفي ذلك؛ حين نعلم أن المربي جورج خميس أهدى تلك الآلة الكاتبة لتلميذه مصطفى أواخر خمسينيات القرن العشرين (وبالطبع لا يصح تبرير ذلك التاريخ بالقول إنه متخيل، فالخيال هنا؛ إن كان هذا هو المقصود، يتعارض مع واقعة معروفة، ولا يمكن إقناع القارئ بما يخالف منطق الواقع في أمر كهذا).
بقي أن أشير إلى أن الرسوم التي أبدعتها الفنانة التشكيلية رانية عامودي قد أضافت إلى قصص زياد خداش جماليات لها إسهام أكيد في تعزيز جماليات القصص.
“المدن”