رغم التصعيد الميداني والتلويح التركي بعملية عسكرية شمال سوريا، إلا أن الخيار ليس محسوماً بعد، بالنظر إلى مواقف الولايات المتحدة وروسيا منها، وكذلك إلى تداعياتها المحلية على الاقتصاد المحلي والتأثير على الناخب التركي، في الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب التركية إلى خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في حزيران/يونيو 2023.
وعلى صعيد المواقف الدولية، يبدو أن واشنطن وموسكو لا زالتا عند رفض أي تصعيد بري في الشمال السوري، مقابل غضّ الطرف عن الضربات الجوية التي شنتها تركيا مؤخراً ضد مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المناطق المجاورة لتركيا.
ويؤكد ذلك التصريحات الصادرة عن كل من الولايات المتحدة وروسيا، حيث قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف: “نحاول إقناع شركاءنا الأتراك بضرورة تجنب استخدام القوة المفرطة في الأراضي السورية”.
وأضاف مع انطلاقة الجولة ال19 من محادثات أستانا الثلاثاء، “ندعو زملاءنا الأتراك إلى ضبط النفس من أجل منع تصعيد التوتر وليس فقط في شمال وشمال شرق سوريا بل في الأراضي السورية كلها”، مضيفاً أن تركيا لم تخبر روسيا مسبقاً بإجراء عمليتها الجوية في سوريا والعراق، وسيتم بحث هذا الموضوع خلال اجتماع أستانا.
كما أعلن متحدث باسم الخارجية الأميركية الثلاثاء أن بلاده “تعارض أي عمل عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا”، مؤكداً أن “واشنطن أبلغت أنقرة ببواعث قلقها الشديدة من تأثير مثل هذا الهجوم على هدف محاربة تنظيم داعش”.
يأتي ذلك بعد تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية، واتهامه روسيا بعدم الالتزام باتفاق “سوتشي” بشأن تطهير المنطقة من “الإرهابيين”، مضيفاً أن “تركيا والولايات المتحدة الأميركية تنضويان معاً تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، لكن واشنطن أرسلت رغم ذلك آلاف الآليات والأسلحة إلى منطقة الإرهاب في سوريا”.
بموازاة ذلك، أفادت مصادر عن حالة تأهب عسكري في القواعد التركية المنتشرة في الشمال السوري، والقريبة من الشريط الحدودي السوري.
حسابات الداخل التركي
إلى جانب المواقف الدولية التي تقلل من فرص إقدام تركيا على بدء عملية برية جديدة في الشمال السوري، ثمة حسابات متعلقة بالشارع التركي تبدو على قدر كبير من الأهمية لجهة حسم قرار شن العملية العسكرية من عدمه.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، إن التفجير “الإرهابي” الذي ضرب مدينة إسطنبول الأسبوع الماضي، يجعل رد الفعل التركي عليه مقبولاً من الشارع التركي، سواء كان هناك انتخابات أم لا.
ويضيف ل”المدن” إن الظروف في تركيا مؤاتية لشن عملية عسكرية، مستدركاً بقوله: “لكن الحسابات مرتبطة بما بعد العملية العسكرية”.
وعن تلك الحسابات يوضح أوغلو، أنه في حال بدأت العملية هناك خشية من الخسائر البشرية في صفوف الجيش التركي، وكذلك من تدخل سيء من جانب روسيا أو أميركا، وغيرها من الحسابات التي قد تضر لاحقاً.
ومع ذلك، فإن استهداف إسطنبول، وكذلك استمرار تعرض المدن التركية القريبة من الحدود السورية للاستهداف، يجعل الشارع التركي داعماً لأي عمل عسكري جديد، على حد تقدير المحلل التركي.
إجماع تركي
ورغم المواقف الدولية الرافضة للعملية، تبدو تركيا عازمة أكثر من أي وقت مضى على الذهاب باتجاه تنفيذ العملية التركية، وهو ما يمكن تلمسه من خلال تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية “المخلب – السيف” التي أطلقها الجيش التركي ضد مواقع حزب “العمال” و”قسد”، لن تقتصر على الضربات الجوية، وأن بلاده “لن تستأذن أحداً من أجل حماية أمنها من الإرهابيين”.
ويبدو لمراقبين أن تركيا لن تضيّع فرصة الإجماع الشعبي على ضرورة عقاب الأطراف المتورطة في ضرب إسطنبول، وعن ذلك يقول الباحث في العلاقات التركية والروسية، الدكتور باسل الحاج جاسم إن الملف الوحيد الذي قد يكون محل إجماع كبير ومتماسك داخل تركيا هو ملف مكافحة حزب “العمال” ومواجهة هذا الحزب أو المنظمة ليس جديداً، وكل ما يحدث اليوم هو استمرار لعمليات سابقة.
ويضيف ل”المدن”: بالمقارنة مع التاريخ السياسي التركي القريب عندما جرى التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974، كان وقتها بولانت أجاويد رئيساً للوزراء، وفي أول انتخابات بعد العملية العسكرية التركية في قبرص فاز حزبه “الشعب الجمهوري” و شكل حكومة بمفرده، و في عهده أيضاً جرى اعتقال عبد الله أوجلان زعيم “العمال” الكردستاني، وأيضاً كان أجاويد المنتصر في انتخابات عام 1999.
ويقول الحاج جاسم، إن من الطبيعي أن يتأثر مزاج الناخب في أي دولة بنتيجة أي عمل عسكري تنفذه بلاده، لكن في الحالة التركية والحرب على “العمال” الكردستاني لدينا حالة خاصة وإجماع تركي قوي في هذه القضية.
ومع ذلك، تبقى التوقعات لجهة العملية العسكرية متباينة، وخاصة أن تركيا ستبحث اليوم في أستانا مع الروس مصير تل رفعت ومنبج.
“المدن”