” الموت للديكتاتور”.. ..” الموت للخامنئي” ” تسقط العمائم ”
صرخات انطلقت من حناجر فتيات إيرانيات، إنها صرخات من أجل الحرية والرغبة في الحياة الحرة الكريمة؛ وهي إن دلَّت على شيء فإنما تدل على إعلانٍ واضح عن نبذ صريح للنظام السياسي القائم في ظاهره على الدين، وهو في جوهره نظام قمعي استبدادي، يعتمد القتل أساساً للحكم، مثله كغيره من الأنظمة الاستبدادية البائدة عبر التاريخ.
كان استشهاد الفتاة الكردية “مهسا أميني ” ذات الاثنين والعشرين ربيعاً الشرارة التي أشعلت الحريق في هشيم هذا النظام الاستبدادي الغاشم، وفي خِيَمه المهترئة، وعمائمه المشبعة بعفن التاريخ الأسود.
إن هذه الانتفاضة الشعبية تعبِّر عن رفض واضح وصريح لهذا النظام السياسي الذي جثم على صدور الإيرانيين قرابة خمسين عاماً، ولم تقف عدوانيّته عند الحدود الإيرانية، بل تجاوزتها إلى معظم الدول المجاورة، من خلال استطالاته السرطانية، وميليشياته المسلحة التي لعبت ومازالت تلعب دوراً منظَّماً في تدمير عدة مجتمعات عربية كالعراق وسورية ولبنان واليمن، ومن قبلها البحرين ومختلف الدول العربية الأخرى، حتى وصل تأثيرها إلى إفريقيا وأوروبا وشرق آسيا. وها هو اليوم شريك فعليٍّ في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وعلى ضوء ما سبق يمكننا أن نتبيَّن أهمية ما يجري في إيران اليوم ، فإذا كانت انتفاضة الشباب الإيراني تكشف عن تطلعات الشعب الإيراني نحو الحرية و الدولة الحديثة ؛ فإنما تعبِّر في الوقت نفسه عن تطلعات شعوب هذه المنطقة العربية أيضاً في تحقيق حلمها في الحرية والخلاص من الاستبداد
.إن تحالف الطغاة في المنطقة يستوجب توحيد التطلعات المشروعة لشعوب هذه المنطقة نحو التحرر ، ولوضع حد لشوكة القتل والإجرام ، و من أجل بناء أنظمة حكم مدنية وعصرية تليق بمجتمعاتها ، إن خلاص الشعب الإيراني من جلّاديه هو في الوقت نفسه خلاص لشعوبنا العربية من جلَّاديها أيضاً.
لقد خاضت الشعوب العربية تجارب مريرة من أجل الحرية ؛ وذلك في مرحلة ما سمي “بالربيع العربي “وقد قدَّمت أثماناً باهظة في سبيل حلمها بالحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد ، لقد كان للدكتاتورية الإيرانية الدور الكبير في قمع الانتفاضات في معظم هذه البلدان العربية، مما أدى إلى تعطيل للحياة السياسية ،وتدمير ممنهج للبنى الداخلية لهذه المجتمعات على كافة الأصعدة، سواء الاقتصادية والسياسية و الثقافية والاجتماعية أيضاً، ناهيك عن محاولاتهم الحثيثة لتمزيق أواصر الوحدة الوطنية، وتعميق الانقسامات المذهبية فيها .
وبالعودة إلى المظاهرات التي تملأ شوارع المدن الإيرانية وجامعاتها التي يصل عددها إلى ثمانين جامعة تقريباً، تجد أنها تحمل الكثير من الدلالات ، أهمها أن الفئة الأساسية التي تحمل رايات الثورة هي فئة الشباب ويغلب عليها العنصر النسائي ، بما ترمز إلى الطاقة الخلَّاقة في المجتمع الإيراني من جهة ، وبما تتحلَّى به من الشجاعة والجرأة والثبات من جهة أخرى ، وإلى الرغبة في التغيير الجذري والشامل لهذا النظام الديني المتخلف والعاجز عن مواكبة التطور من جهة ثالثة ، إن شعار “إسقاط العمائم “وإحراق صور الرموز الدينية وعلى رأسها الخميني وحرق منزله ، بالإضافة إلى حرق مراكز الحوَز الدينية بما لها من دلالات عميقة في النفوس؛ إنما تشكل بمجموعها الإسفين الأخير في نعش صنم الإسلام السياسي بشكليه سواء “ولاية الفقيه أو” الخلافة”. وإلى الأبد. وهي اليوم فرصة متاحة لإعادة النظر في الدور التخريبي الذي لعبته الحركات الإسلامية ومازالت في تفويت الفرص التي كانت متاحة لإنجاز التغيير الحقيقي في معظم بلدان الربيع العربي.
ومن مظاهر قوة الانتفاضة الإيرانية أن القيادات الداخلية للحراك قد استطاعت تفويت الفرصة على النظام أكثر من مرة لمحاولاته جر الانتفاضة إلى العسكرة من جهة وإلى محاولات التمويل من الخارج أو ربطها بمحاور إقليمية معروفة؛ وذلك من خلال توجيه التهم بالعمالة أو التدخل الخارجي … إلى آخر المعزوفة التي سمعناها من النظام السوري في مواجهة معارضيه.
إن القراءة المتأنية لهذه المظاهرات التي تتسع دائرتها كل يوم وبزخم غير مسبوق، وهي في شهرها الثالث، تعكس ثقة كبيرة بأن إرادة التغيير كبيرة وقادرة على إنجاز كل أهدافها في بناء دولة حديثة قادرة على مواكبة العصر.
ومع اشتداد زخم المظاهرات في المدن الإيرانية، تبدو نهاية النظام السياسي الإيراني وشيكة، ولا ينقصها إلا رفع الغطاء الدولي حتى ينهار دفعة واحدة، وهذا يعيد إلى ذاكرتنا اللحظة التاريخية التي كاد فيها النظام السوري أن يتهاوى إلى نهايته المحتومة بعد تصريحات أوباما الشهيرة بخصوص ذلك في 2013 …. لكن تحوٌّلاً مفاجئاً حال دون ذلك، وهو ما حصل من جرَّاء صفقة الملف الكيماوي الذي تلقّفه لافروف ونتنياهو مع إدارة أوباما آنذاك؛ الأمر الذي أدى إلى المآلات التي نشهدها اليوم.
إن الانتفاضة الإيرانية اليوم تقترب من لحظة تاريخية، ترتسم فيها نهاية هذا النظام المتخلف وإلى الأبد، لكنها لحظة يعتريها الكثير من الخوف والحذر من صفقة مشينة قوامها الملف النووي الإيراني مع إدارة بايدن وخصوصاً بعد عودة نتنياهو ثانيةً إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية مجدداً.