تدخل حرب بوتين مرحلتها الشتوية، والقتال مستمر بلا هوادة. لكن في برلين يسود صمت مطبق في الأوساط السياسية حول إرسال دبابات ليوبارد القتالية إلى الحرب في أوكرانيا.
في الآونة الأخيرة، تمكنت أوكرانيا من الإبلاغ عن نجاح عسكري كبير عندما استولى جنودها على العاصمة الإقليمية تشيرسون في جنوب شرق البلاد بعد انسحاب القوات الروسية. ومع ذلك، في أماكن أخرى، لا يوجد أي تقدم بالقرب من باشموت، وتدور معركة شرسة منذ أسابيع حول موقع مهم استراتيجيًا. وفي الوقت نفسه، تحاول روسيا تدمير البنية التحتية لأوكرانيا بهجمات صاروخية وصواريخ كروز، لتدمير محطات الطاقة والمحطات الفرعية، لجعل الشتاء ووضع الإمداد في المدن لا يطاق.
نهاية الحرب ليست في الأفق. من المرجح أن يعود القتال مرة أخرى في الربيع عندما يتحسن الطقس. ربما مع المحاولة الروسية لاستعادة الأراضي المفقودة من خلال هجوم مضاد. العسكريون الأوكرانيون، على سبيل المثال، لا يستبعدون هجومًا آخر على كييف.
وبحسب مجلة شبيغل الألمانية فإن الحرب تبدو من منظور ألمانيا وكأنها في حالة سبات. وبحسب المجلة الألمانية لم يعد موضوع الحرب هو الرئيسي في محطات الأخبار، وغالبًا ما يتم المضي قدمًا في الأخبار فقط عندما تكون هناك أحداث درامية، مثل التحطم الأخير لصاروخ أوكراني مضاد للطائرات على الأراضي البولندية.
السفير الأوكراني الجديد أوليكسي ماكييف أكد في أكثر من مقابلة مع وسائل الإعلام الألمانية أن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى أسلحة دفاع ثقيل مثل دبابات القتال الرئيسية وعربات قتال المشاة لإجبار القوات الروسية على مغادرة الأراضي الأوكرانية بعد تسعة أشهر من “حرب الإبادة الجماعية”.
بيد أن هذه المطالبات باتت بعيدة عن أعين الناس في ألمانيا، بحسب شبيغل، ولم يعد موضوع تسليم دبابات ليوبارد2 القتالية عالية التجهيز ومركبات المشاة المدرعة إلى أوكرانيا حديث الشارع، وساد الصمت فجأة.
فيما يتعلق بقضية الدبابات، كان المستشار أولاف شولتز يماطل منذ شهور. لكن وزيرة الخارجية أنالينا بربوك غيرت المسار أيضًا، على الأقل في نظر العالم الخارجي.
وحتى وقت قريب، كان سياسي حزب الخضر من أشد مؤيدي دبابات القتال في كييف، ولكن بعد ذلك حدث انقطاع في الاتصال ومن غير المعروف كما تقول المجلة، هل يأتي هذا الصمت بطلب من شولتس أم أن هذه السياسة تندرج تحت شعار سياسة ضبط النفس في ألمانيا.
في صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” في منتصف أكتوبر، لم تكتف بربوك بتسليط الضوء على شحنات الدبابات الروسية في مخازن دول أوروبا الشرقية الناتو. بل قدمت حجة جديدة في النقاش وهي: الأوكرانيون أيضًا “استولوا على عدد هائل من الدبابات التي خلفها الجيش الروسي في المناطق المحررة، والتي يمكنهم استخدامها الآن”. كما تجنبت بربوك مصطلح “دبابة قتالية”، ووضحت بدلاً من ذلك أنه يتعين على المرء أن يتحقق مرارًا وتكرارًا مما إذا كان يمكن توفير “مواد أخرى”.
لغاية الآن لا توجد مؤشرات على توفير دبابات قتالية ألمانية، وهناك أسباب لوجستية بحسب الخبراء في ألمانيا، يجب أن يكون الجهاز قابلاً للإصلاح في نهاية المطاف، ويخشى بعض الشركاء من أن تضع روسيا أيديها على الدبابات.
وتعتزم الحكومة الألمانية إجراء محادثات مع شركات صناعة الأسلحة بشأن كيفية تعزيز الإنتاج، حيث تواجه البلاد نقصا في الذخيرة بعد سنوات من عدم تحقيق هدف الإنفاق الخاص بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وما يقرب من عام من إمداد أوكرانيا بالسلاح في مواجهة الغزو الروسي للبلاد.
وأكدت مصادر حكومية دعوة ممثلين عن صناعة الدفاع ولفيف من الوزراء إلى لقاء المستشار الألماني أولاف شولتس يوم الإثنين المقبل لمناقشة أفضل السبل للحصول على الأسلحة.
وحددت الحكومة الألمانية مؤخرا هدفا بالحصول على ذخيرة بقيمة 20 مليار يورو (8ر20 مليار دولار)، لتجهيز قواتها، ولإمداد أوكرانيا أيضا.
وتكمن المشكلة في أن قطاعات كثيرة من صناعة الدفاع في ألمانيا أغلقت بعض خطوط الإنتاج خلال السنوات الأخيرة جراء قلة الطلبيات.
وسوف تركز المحادثات المقبلة على كيف يمكن للصناعة توسيع عمليات الإنتاج وتسريع وتيرتها.
من جهته رأى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ الجمعة أنه يعود لألمانيا أن تقرّر ما إذا كانت تريد تزويد أوكرانيا بنظام اعتراض الصواريخ “باتريوت” الذي كان مخصصا لبولندا، بعد أن طلبت وارسو ذلك من برلين.
وقال ستولتنبرغ “أرحب بالعرض الألماني لتعزيز الدفاعات الجوية لبولندا من خلال نشر صواريخ باتريوت”، مشيرا إلى أن أي خطط لإرسال أسلحة محددة إلى أوكرانيا تعد “قرارات قومية”.
وقال “أحيانا هناك اتفاقات لا بد من الحصول عليها لبعض المستخدمين، لذا تكون حاجة إلى التشاور مع حلفاء. لكن في نهاية المطاف، القرار تتخذه الحكومات الوطنية”.
وكانت الحكومة الألمانية عرضت على وارسو الاثنين تزويدها بنظام دفاعي مضاد للطائرات وللصواريخ من طراز “باتريوت” بعد سقوط صاروخ في بولندا الأسبوع الماضي أوقع قتيلين.
إلا أن وزير الدفاع البولندي طلب من ألمانيا الخميس تسليم أوكرانيا شحنة الصواريخ لمساعدتها في الدفاع عن نفسها في مواجهة الغزو الروسي الذي بدأ في شباط/فبراير.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت الخميس إن هذا الطلب يجب أن يعرض على حلف شمال الأطلسي.
ويقوم حلفاء الشمال الأطلسي بالفعل بإرسال أسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى أوكرانيا لمساعدتها على محاربة الغزو الروسي، وبينها أنظمة الدفاع الجوي الحديثة.
وفي هذا السياق، أكد ستولتنبرغ أنه سيحثّ وزراء خارجية حلف الشمال الأطلسي الذين سيجتمعون في بوخارست الأسبوع المقبل، على تسريع وتيرة عمليات التسليم إلى أوكرانيا.
وأشار إلى إن “أفضل طريقة لزيادة فرص التوصل إلى حل سلمي هي دعم أوكرانيا”، مضيفا “لذا فإن حلف شمال الأطلسي سيستمر في الوقوف مع أوكرانيا مهما طال الأمر.. لن نتراجع”.
وباكرا هذا الشهر، تسلمت كييف نظام دفاع جوي ألمانيا من طراز “ايريس-تي” كجزء من جهود الدول الغربية لتعزيز حماية أوكرانيا ضد الضربات الروسية. وتجنّبت الولايات المتحدة ودول أخرى في حلف الشمال الأطلسي حتى الآن تزويد أوكرانيا بنظام “باتريوت” المصنّع من شركة “ريتون” الأمريكية، والذي يعتبر أداة أساسية من الدفاعات الجوية للحلف في المنطقة الشرقية.
وكانت واشنطن نشرت صواريخ “باتريوت” الدفاعية في بولندا، بينما نشرتها برلين في سلوفاكيا.
“القدس العربي”