تمثل مناشدة الممثل السوري، وضاح حلوم، لرئيس النظام السوري بشار الأسد، لإيجاد حل للأوضاع المعيشية الصعبة في سوريا، آخر الانذارات التي توجهها البيئة الموالية له، قبل الثورة عليه، بعدما انعدمت السبل، واختنقت البيئات الموالية بالفقر والحرمان.
لطالما حيّد مناصرو النظام رئيسه من انتقاداتهم، وصبوها على “المحيطين به”.. وفي الأزمات الكبرى، يتوقعون أن الأسد لا يعرف، وأنه ما زال يمتلك الحل والربط. على الاقل، هي مناشدة، التفافاً على الحقائق، منعاً لانتقاده مباشرة.
يدرك الجميع أن النظام بات عاجزاً، وأن رئيسه بات محاصراً بالمطالب الدولية لفك قبضته عن شعبه، وبالعقوبات نتيجة الحرب المتواصلة منذ 10 سنوات.. ومع ذلك، لم يقطعوا الأمل به، حتى الآن، في رجاء للقيام بأي فعل، من ضمنه الرحيل إذا كان هذا الـمر سيفتح البلاد أمام تحسن معيشي، من دون أن يقولوها مباشرة.
آخر المناشدات جاء من حلوم الذي ناشد الأسد، راجياً إياه التدخل. قال حلوم في تسجيل مصور انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي: “سيدي الرئيس أرجوك، صار الوضع لا يطاق، لا يحتمل، صار فوق طاقة البشر”. وأضاف حلوم في رسالته المصورة: “ما عاد قدرانين لا ناكل ولا نشرب ما عاد قدرانين نطلع من بيوتنا، ما عاد قدرانين نطلع من بيوتنا، انعدمت المواصلات، انعدم الأكل والشرب، والكهرباء معدومة من الزمان”. وأكمل: “أرجوك وأنت تعرف كل شيء يجري كن المنقذ لكل شيء يحدث، أنقذنا أرجوك، بيدك الحلول يا سيدي الرئيس، الأمور صارت فوق طاقة أي بني آدم، نتحمل ما لا يتحمله أي شعب في الكرة الأرضية”.
والشكوى من الفقر وضيق العيش، بات أمراً منتشراً بكثرة في سوريا التي تعاني أزمات معيشية خانقة. لم يعد أمام الاسد إلا القيام بفعل، أي فعل، حتى لو كان الرحيل. فالسبل انعدمت أمام النظام، وبات مكسوراً أمام مواليه. لم يعد في استطاعته القول إن الارهاب قوّض الحياة في البلاد. فالحرب انحسرت (والنظام يقول انه انتصر!) ولم تستعد البلاد عافيتها. ولم يعد حاملاً لواء الحرب على الارهاب كي يكسب ولاء السوريين. في الحرب، يصبرون على أمل تحسن الاوضاع مع نهاية القتال وتجيير الانفاق العسكري للخدمات والطبابة ودعم المحروقات والتدفئة. أما في حال السِّلم، فلا سبيل لذلك، من دون اصلاحات، وانفتاح دولي، ومصالحة مع الشعب والدول التي تفرض العقوبات.
صرخة حلوم، أعمّ من صرخات الآخرين، وأكثر ترداداً. يعد الرجل جزءاً من النخب الاجتماعية والثقافية الموجودة في سوريا. حين تصل الشكوى الى هذا المستوى، فذلك يعني حكماً بأن البيئات الفقيرة مكتومة الأصوات، أكثر تململاً، وأكثر حاجة. تتشارك مع كافة الطبقات في سوريا اليوم الحاجة الى الطعام والشراب والكهرباء، وتشكو التعب والبطالة وغلاء المواصلات. لم يجد حلوم سبيلاً الا مناشدة الأسد، وهي ستكون من آخر المناشدات قبل الجهوزية (النفسية على الأقل) لانقلاب الموالين على النظام، والتوقف عن دعمه.
هي الثورة بوجوه أخرى. بعد ثورة السويداء المعيشية، تتسلل الاحتجاجات الى مناطق سيطرة النظام تدريجياً. فانهيار قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، في ظل رواتب متدنية لا تتجاوز الـ20 دولار شهرياً، قضت على امكانيات الصمود بالكامل. لم تعد ثورة الموالين إلا “صبر ساعة”. كل الشعارات لا تساوي عند الفقراء مفعول رغيفين.
“المدن”