نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلتها في باريس أنجليك كريسافيس قالت فيه إن المباراة يوم الأربعاء بين المغرب وفرنسا التي ستحدد الفريق لنهائي كأس العالم هي رمز للمغاربة في الشتات. وتقول إن المواطنين الفرنسيين- المغاربة “انقسموا إلى نصفين” إلا أن مباراة نصف النهائي في مونديال قطر جمعت القسمين معا.
وذكرت أن عبدل، كان واقفا خلف نافذة بقالته في حي لا غوت دور في باريس وكان على الهاتف مع قريبه في قرية بجبال الأطلس بالمغرب، وكل ما تحدثا عنه هو مباراة المغرب مع فرنسا، ولخص المزاج بكلمة واحدة “الرقص”. وقال “أمر لا يصدق أن تكون أول فريق أفريقي يصل إلى نصف النهائي، هي فقط رياضة، ولكنها تجمع الناس معا من الأجداد إلى الأحفاد”.
ولد عبدل، 48 عاما في باريس لأبوين مغربيين وصلا إلى فرنسا في الخمسينات عندما كان المغرب تحت الحماية الفرنسية، وفتحا البقالة هذه في الحي الذي يعتبر من أكثر أحياء باريس تنوعا عرقيا. وبالنسبة لمعظم المغاربة من حملة الجنسية المزدوجة، فينظرون للمباراة بأنها فوز- فوز “لو فاز المغرب، فسيصنع التاريخ لأفريقيا بوصوله إلى النهائي. ولو فازت فرنسا فإن حاملة اللقب قد تحتفظ بالكأس، وعلى أية حالة فلدي السبب للاحتفال”.
ينظر في فرنسا للمواجهة بين حاملة اللقب والمغرب قصة النجاح غير المتوقعة في مونديال قطر، وبطريقة رمزية كصراع منذ عدة عقود مع الهوية الوطنية وماضيها الاستعماري
وعندما زادت الخطوط الملكية المغربية رحلاتها من الدار البيضاء إلى الدوحة من أجل المشجعين المغاربة، شعر المغاربة في الشتات الأوروبي بحنين للذهاب إلى المغرب و “لو وصل المغرب إلى النهائي فسأسافر إلى القرية لمتابعة المباراة وأعيش الجو هناك، وهذه هي مناسبة تحصل مرة واحدة في العمر”.
وينظر في فرنسا للمواجهة بين حاملة اللقب والمغرب قصة النجاح غير المتوقعة في مونديال قطر، وبطريقة رمزية كصراع منذ عدة عقود مع الهوية الوطنية وماضيها الاستعماري. وفي الوقت الذي وصل فيه اليمين المتطرف للمعارضة في البرلمان الفرنسي وتتردد أفكاره المتطرفة المعارضة للمهاجرين بين بقية الأحزاب، ينظر للمنتخب المغربي كرمز للهجرة والشتات المغربي- فقد ولد عدد كبير من لاعبي المنتخب المغربي خارج المغرب، بمن فيهم قائد الفريق وليد الركراكي الذي ولد ونشأ خارج باريس.
وبحسب التقرير يرى المغاربة- الفرنسيون أنه يجب عدم النظر للمباراة على أنها قصة انتقام من بلد حكمته فرنسا ما بين 1912 – 1956، بل يرون هذا كاحتفال بكل المواطنين الفرنسيين من أصول عرقية متنوعة. ولكن اليمين المتطرف انتهز الفرصة عندما اجتمع المغاربة بعد فوز المغرب على البرتغال في ربع النهائي قرب الإليزيه وخلقوا أجواء احتفالية، ووصف الإعلامي، الذي تحول إلى سياسي إريك زمور، اعتقالات محدودة حول فرنسا ومواجهات محدودة في باريس بأنها علامة عن “شغب” مقبل. وسيتم تشديد الأمن في ساحة الإليزيه ليلة المباراة.
ويشير التقرير إلى أن المباراة تأتي في وقت حساس من العلاقات الدبلوماسية الفرنسية- المغربية. وتشهد العلاقات برودة منذ العام الماضي بعد فضيحة بيغاسوس واختراق هاتف الرئيس، إيمانويل ماكرون وكذا وزراء من حكومته، حيث ظهرت أسماؤهم في بيانات تم تسريبها، بشكل أثار المخاوف من اهتمام مغربي بهواتفهم. وأضاف موضوع الصحراء الغربية وتحديد عدد التأشيرات للمغاربة إلى التوتر.
ولفت التقرير إلى أن الصحافة الفرنسية كتبت عن “الاتحاد المغاربي” حيث انضم الجزائريون والتونسيون إلى المغاربة بانتصار فريقهم “كيف لا تحب هذا الفريق المغربي الذي ظهر من لا مكان” قال مومو في لاغوت دور، والذي غادر تونس قبل 14 سنة للعمل في باريس، لكنه يقول أنا “مقسوم لاثنين مثل غيري” بين المغرب وفرنسا.
المباراة تأتي في وقت حساس من العلاقات الدبلوماسية الفرنسية- المغربية. وتشهد العلاقات برودة منذ العام الماضي بعد فضيحة بيغاسوس واختراق هاتف الرئيس ماكرون وكذا وزراء من حكومته
أما ماري التي تملك محلا خردوات ووصلت إلى فرنسا من الكاميرون لدراسة التجارة في سن الـ 18عاما “مهم للناس من دول عدة وصول أول فريق أفريقي لهذا المستوى”. وقال راشد الزرقوقي، المدرس في مارسيليا، والذي يكتب عن التعليم: “مضى الفريق المغربي في رحلة لا تصدق حتى هذه المرحلة، وربما لن نرى مثلها في حياتنا” و “سواء ربحت فرنسا أم المغرب فأنا سعيد وهذا كل ما تعنيه الوطنية”. وقضى الزرقوقي، البالغ من العمر 30 عاما، أول 15 عاما من حياته في المغرب ويعيش منذ ذلك الوقت في مارسيليا. وأكد أن محاولة زمور إثارة الانقسام عبر كرة القدم “من الأحسن تجاهله والتركيز على الفرح. فمثله يحاولون إظهار صوتهم والقول: انظروا إلى كل المغاربة في الخارج، هم يمثلون الاستبدال (القصد استبدال الشعب الفرنسي)، وأننا لم نعد في فرنسا”.. ولكنهم يمثلون أقلية وكل من حولي أراهم سعداء بنجاح المغرب”.
ويقول إبراهيم أومنصورـ مدير المرصد المغربي في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والإستراتيجية إن المباراة هي نوع من الاحتفال المحلي في ضوء العدد الكبير من المغاربة في فرنسا، بمن فيهم الطلاب والعدد الكبير من المتقاعدين الفرنسيين في المغرب. ويشير إلى أنه من المفهوم الاستعماري، ظلت علاقة المغرب مع فرنسا مختلفة عن بقية علاقات دول المغرب الأخرى. فقد واجهت الجزائر “استعمارا شاملا” ووجود أعداد كبيرة من المستوطنين وتم أخذ الأراضي وشن حرب استقلال كانت الأكثر وحشية في القرن العشرين، فيما كان المغرب محمية فرنسية، وحصل على استقلاله عبر “التفاوض” تقريبا مما سمح بعلاقات قريبة مع فرنسا. وقال إن تأطير المباراة بأنها انتقام عن الماضي الاستعماري هو أمر تبسيطي و “هي أكثر عن نجاح فريق وناس هاجروا من بلدانهم بسبب الإحباط من عدم النجاح أو عدم تطور بلدانهم”. و “عندما ترى فريقا ناجحا عادة ما تميل للتعاطف مع ذلك المشروع أو النجاح الجماعي، وهو عن الكيفية التي يمكن فيها مغاربة الشتات لعب دور ليس من خلال الرياضة، ولكن كل المجالات”.
“القدس العربي”