قالت الصحافية الفرنسية ماري لو كانتي إن رحلة المغرب الممتعة في كأس العالم كانت غير متوقعة ولكنها ليست صدفة، مشيرة إلى أن الصحافيين الذين لديهم روابط مع هذا البلد مثلها، يعرفون أن كرة القدم متجسدة في الحمض النووي المغربي. وقالت إن المغرب لم يصنع التاريخ أول مرة في قطر، فقبل 42 عاما أمسك المغرب باهتمام العالم عندما أصبح أول بلد عربي وأفريقي يشارك في منافسات “يوروفيجين” للأغنية، ولأن البلد جاء في المرتبة الثانية قبل الأخيرة، أقسم بألا يشارك في المسابقات مرة أخرى.
ومنذ ذلك الوقت فقد تحطمت الكثير من القلوب المغربية في مباريات كرة القدم، ولم يتأهل الفريق المغربي سوى خمس مرات من 11 مباراة لكأس العالم، وفي أفضل الحالات كان يصل إلى مرحلة المغلوب. وخسر المغرب منافسات تنظيم مباريات كأس العالم في 1994 و1998 و2006 و2010 و2026 لكنه لم يتخل عن أمله، فكرة القدم هي الحمض النووي للبلد.
وكتب الروائي المغربي طاهر بن جلون، هذا الأسبوع، “في حياتي سأكون جربت لحظتين تاريخيتين مهمتين جدا” وهما “عودة الملك محمد الخامس في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1956 والتي قادت لاستقلال المغرب. وتأهل أسود الأطلس لمرحلة نصف النهائي لكأس العالم في 10 كانون الاول/ديسمبر 2022”. وتعلق الكاتبة أن كلمات بن جلون تبدو درامية طبعا.
فالمغرب طالما أحب كرة القدم وهي جزء من تاريخ البلد، وقام عبد الرحمن اليوسفي، مناضل الحرية الذي أصبح رئيسا للوزراء، بتجنيد الشباب من أبناء الطبقة العاملة لقضيته من خلال إنشاء فريق كرة القدم وترأس منافسات في الدار البيضاء.
والتقى محمد الزرقوطني، المناضل البارز الذي قاتل ضد الاستعمار الفرنسي، مع الناشطين الذين يدعمون أفكاره في دوري كرة القدم في أربعينيات القرن الماضي. وأطلق على الأخير اسم شارع مشجر في الدار البيضاء، وسيفرح لمعرفة أن المشجعين كانوا يرقصون ويغنون بعد كل مباراة في الأسابيع الماضية.
وأشارت الكاتبة إلى غموض المواجهة وما تمثله للفرنسيين المغاربة حيث واجهوا معضلة الفريق الذي عليهم أن يدعموه.
وعندما سئلت الروائية ليلى سليماني عن ولائها قالت: “سأدعم المغرب ولو فازت فرنسا سأكون في حالة من النشوة، ولكنني سأدعم المغرب لأنه بلد جديد، ولأنه يمثل قارة بأكملها، وهي منطقة طالما قلل من شأنها، وشاهدنا فجأة ضوءا إيجابيا في ذلك الجزء من العالم”. ولا يمكن الاختلاف معها، فمشاهدة اللاعبين وهم يرقصون مع أمهاتهم ويسجدون على الملعب، كأنها مرطب للروح طال انتظاره، ومتى تم الترحيب بالمسلمين والتصفيق لهم من الكثيرين وبهذا الحماس؟.
ومن الإنصاف أن صعود المغرب الذي لا يقاوم لم يكن مصادفة، ومع أن بعض المعلقين حاولوا الحديث عن الفريق المغربي باعتباره الحصان الأسود، في وقت تجاهله المعظم، ذلك أنهم جاءوا في مجموعة مع بلجيكا وكرواتيا. وتقول إنها كعضو في الشتات، فقد كانت قادرة على متابعة تطور الفريق وشعرت بأنه خاص. وترى أنها كواحدة من أبناء الشتات والجيل الثاني من أبناء المهاجرين، لم تكن تشعر بالراحة من تجربتها، لكن أن يمثلها لاعبون مثلها ولديهم تجربة مشابهة يعطيها راحة. وطالما شعرت بنوع من الذنب لأنها لم تكن قادرة على التحدث بالدارجة المغربية مع جديها، ومعرفتها أن الفريق لا يتحدث إلا باللغة الإنكليزية مع بعضه البعض كان مريحا لها. وفي النهاية، فالذنب ليس ذنب الجيل الذي لم يحرص على تعليمهم، فهناك إمكانية للانتماء لأكثر من مكان في وقت واحد. وفكرت الكاتبة بالمغاربة في لندن، في برج غرينفل الذي احترق وأطلق عليه مرة “برج المغاربة”.
هذه ليست قصة أولاد أذكياء تدربوا في الخارج وعادوا وقطفوا الثمار ولكنه انتصار من الداخل
وكان منظر المجتمع المغربي وهو يعبر عن فرحه ويعانق بعضه البعض بعد كل هدف، أمرا غامرا. ولم يكن صعود المغرب إلى كأس العالم مفاجأة ولو فاز في مباراة ليلة الأربعاء لكان إنجازا يستحقه.
وقال مدرب الفريق وليد الركراكي إن البلد وملكه يعملون منذ وقت على تحسين وضع الرياضة. وأنشئت أكاديمية الملك محمد السادس في 2009، وتخرج منها عدد من أفراد الفريق المغربي في مونديال قطر. وهذه ليست قصة أولاد أذكياء تدربوا في الخارج وعادوا وقطفوا الثمار ولكنه انتصار من الداخل. كما أظهر الفريق بعدا آخر وهو أن بعض أفراده من الأمازيغ أو البربر و “ربما لم يكن المغرب تاما، فالجدل حول الصحراء الغربية يحضر للذهن، لكن كل خطوة يقوم بعملها هي خطوة للطريق الصحيح، والأمل أن هذه البداية”.
“القدس العربي”