تطرح عودة نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في المنطقة وخارجها تساؤلات عديدة. في سوريا مثلاً، يشهد نشاط التنظيم تصعيداً نوعياً لجهة الضحايا مقارنة بالشهور الماضية. وفقاً للمرصد السوري لحقوق الانسان، نفذت خلايا “داعش” منذ مطلع الشهر الجاري عمليات استهدفت غالبيتها قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران، ضمن مناطق في البادية السورية، وأسفرت عن مقتل 37 شخصاً بينهم مدني و26 عنصراً من قوات النظام وعناصر الدفاع الوطني، و8 من الميليشيات الإيرانية من جنسيات مختلفة، و2 من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.
لكن إضافة الى الحصيلة المرتفعة لضحايا عمليات “داعش”، علينا التدقيق في نوعية الهجمات، إذ سيطرت لمدة يوم على إحدى بلدات بادية السخنة في شرق حمص، وعلى طريق دير الزور-دمشق. طبعاً هذا لا يُقارن بذروة التنظيم حين كان يُسيطر على مساحة تبلغ أكثر من ثمانية أضعاف مساحة لبنان، لكنها كذلك تُمثل نقلة نوعية مقارنة بالسنتين الماضيتين عندما كان التنظيم شبه ميت يُنازع للاستمرار ولو شكلياً.
هذا يحصل سورياً، وهناك في العراق كذلك ارتفاع في حصيلة العمليات وضحاياها. خلال الأسبوع الماضي وحده، وقع هجومان، أحدهما استهدف دورية للشرطة في كركوك وأوقع 9 قتلى وعدداً من الجرحى، والآخر في شمال بغداد حيث قُتل فيه ضابط بالجيش وجنديان وأُصيب آخرون.
الزميل منهل باريش كتب في “القدس العربي” عن منشورات التنظيم على تطبيق “تلغرام”، وتحديداً العمليات في أنحاء افريقيا والمنطقة بعد تنصيب زعيمه الجديد أبو الحسين الحسيني القرشي. لحظ باريش ارتفاع حُصّة افريقيا في عمليات التنظيم، إذ نشر “عشرات الصور في ولايات الساحل الأفريقي وموزامبيق (استحدثت قبل نحو أربعة شهور) وغرب أفريقيا والصومال وباكستان والهند والشام (سوريا) والعراق وخراسان (أفغانستان) ولبنان”. وظهر في المواد المصوّرة المنشورة مقاتلون لـ”داعش” بعضهم (في نيجيريا) مدجج بأسلحة ثقيلة غنمها من هجمات على ثكنات الجيش النيجيري. هذا الإستعراض حصل غداة مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو الحسن الهاشمي في محافظة درعا جنوب سوريا، وتعيين أبو الحسين الحسيني القرشي خلفاً له. عملياً، لم تنفع الإستهدافات المتكررة لقيادات التنظيم في استئصال خلاياه والحؤول دون تنفيذها عمليات قاتلة ضده، أو دون تجديد نفسها في أكثر من مكان على الطريقة اللامركزية.
ولهذا أسباب، أولها بداية أننا في زمن أزمات مركبة، اقتصادياً ومالياً وسياسياً، وهي بيئة خصبة للتجنيد إما لقاء أموال أو وعد بحياة أفضل. وفي ظل أنظمة مأزومة غير قابلة للإصلاح والتطور ولا حلول لديها سوى الهروب للأمام، يُمثل بروز “داعش” فرصة لإثبات جدوى لا سبيل آخر لها، ليس فقط للداخل، بل كذلك للخارج الحريص على وقف مثل هذا التمدد للتنظيم. طبعاً، دور الأنظمة ليس في التأسيس لهذا التنظيم أو حتى مده بالسلاح، بل عبر سياسة غض النظر وتركه يتطور.
على سبيل المثال، تتحدث مصادر كردية في شمال العراق لوسائل إعلام (منها موقع المونيتور)، عن دور إيراني ما في نمو التنظيم في مناطق محاذية للحدود مع إيران. وهذا أيضاً ينسحب الى حد ما على وضع “داعش” في أفغانستان حيث تتمدد في مواجهة حركة “طالبان”، رغم وجود بعض التقاطعات أحياناً. بغض النظر عن صحة هذه الاتهامات للأنظمة بالتورط في عودة التنظيم، ادعاء مساهمة الأنظمة في نمو “داعش” وأمثالها مكرر في أنحاء المنطقة لأسباب على ارتباط بفوائدها، بداية بالجدوى وانتهاء بانتشار الخوف وتبرير القمع وتأجيل أي اصلاحات.
ومواصلة بلدان عربية التصدع، كمثل لبنان المهدد اليوم بالاستهداف من “داعش”، يُوفر بيئة خصبة لمثل هذا النشاط وبموارد قليلة كون فوائده السياسية كثيرة. لهذا بالإمكان الجزم بأن الولادة الجديدة لـ”داعش” تأخرت رغم توافر كل الظروف والتسهيلات المطلوبة لذلك.
“المدن”