ردت تركيا على تعنت النظام السوري وفرضه شروطاً مقابل تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين، بالتلويح مجدداً بشن حملة عسكرية برية ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي البلاد، في وقت شهد مواقف خجولة من المعارضة السياسية من المصالحة التركية، بعكس إرادة الشعب السوري، الذي رفض المصالحة والتطبيع مع النظام وأكد ذلك من خلال عشرات الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالتمسك بمطالب الثورة السورية.
وفيما يبدو أنه رد على شروط النظام السوري للتطبيع قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن شنّ عملية عسكرية برية في سوريا “ممكن في أي وقت”. وأضاف قالن لصحافيين من عدة وسائل إعلام أجنبية “نواصل دعم العملية السياسية” التي بدأت نهاية ديسمبر/كانون الأول، مع لقاء وزيرَي الدفاع التركي والسوري في موسكو، “لكن شنّ عملية برية يبقى ممكنًا في أي وقت، بناء على مستوى التهديدات الواردة”، حسب “فرانس برس”. وتحدث عن احتمال لقاء جديد بين وزيرَي دفاع تركيا وسوريا يسبق اللقاء المرتقب في منتصف فبراير/شباط بين وزيرَي خارجية البلدين. وأضاف “نريد الأمن على حدودنا”، مشيراً إلى وجود قوات كردية على الأراضي السورية.
وقال: نحن لا نستهدف أبدًا مصالح الدولة السورية ولا المدنيين السوريين، لكنه لفت إلى أن الضمانات الأمنية التي وعدت بها روسيا والولايات المتحدة بعد العملية التركية الأخيرة في سوريا في العام 2019 “لم يتمّ الالتزام بها” وإن المقاتلين الأكراد لم ينسحبوا على مسافة 30 كيلو مترًا من الحدود كما كان موعودًا. تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، تزامنت مع إعلان رئيس النظام السوري، بشار الأسد شروطه حيال المسار التركي الجديد في إعادة العلاقات السياسية مع النظام في سوريا، بوساطة روسية. واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن اللقاءات السورية-التركية برعاية روسيا يجب أن تكون مبنية على إنهاء “الاحتلال”، والوجود العسكري التركي في شمال سوريا، “حتى تكون مثمرة”.
رد عسكري
وفي أول رد عسكري على المسار التركي الجديد تجاه النظام السوري، أصدر الفيلق الثالث أحد تشكيلات الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، السبت، بيانًا أعلن فيه رفض التطبيع مع النظام السوري وتمسكه بضرورة تطبيق القرار الدولي رقم 2254 القاضي بنقل السلطة من النظام السوري، إلى هيئة حكم انتقالية مستقلة. وقال البيان، الذي نُشر عبر معرفات الفيلق الرسمية، إن الفصيل يقف إلى جانب الشعب السوري الحر ويدعمه في مطالبه المشروعة، مؤكدًا على “التمسك بمبادئ الثورة السورية وفي مقدمتها إسقاط نظام الأسد وكل أركانه وتقديمهم للمحاكمة العادلة”.
وأضاف البيان “نرفض بالمطلق المصالحة مع النظام المجرم، ونعتقد أنه لا يمكن أن تنعم سوريا بالسلام والاستقرار بوجود نظام الأسد وأجهزته القمعية” معلناً دعمه “الحراك الشعبي” في عموم المناطق المحررة رفضاً للمصالحة مع النظام السوري، في حين استنكر في الوقت نفسه الاعتداء وطرد رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط من مظاهرة مدينة اعزاز بريف حلب. ودعا البيان “كافة المكونات إلى التمسك بثوابت الثورة” كما دعا الممثلين السياسيين إلى مراعاة مطالب الشعب السوري الحر ومصلحة الثورة بالدرجة الأولى.
طريق وعر
في غضون ذلك اعتبر موقع “مونيتور” الأمريكي أن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري سيواجه طريقاً وعراً، بسبب عناد بشار الأسد، وأسلوب أردوغان الحسابي، فضلاً عن الموقف الأمريكي المعارض لذلك. وتحدث التقرير عن مجموعة من العقبات التي يمكن أن تعرقل الحوار الناشئ ما لم يعدل الجانبان مواقفهما، بالرغم من رفع مستوى العلاقات إلى المحادثات الوزارية، عازياً التحولات الدبلوماسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعثر سياساته الإقليمية، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أنه “لا ينبغي التغاضي عن غرائزه السياسية وقدرته على المناورة، فقد سعى إلى التقارب مع أبو ظبي والرياض وتل أبيب والقاهرة قبل النظام السوري، خوفاً من ارتفاع التكلفة السياسية للابتعاد عن تيار التطبيع في المنطقة”.
وأضاف: “مع ذلك، لا تزال العديد من جوانب حسابات أردوغان غير معروفة، فما هي توقعاته الفعلية من عملية التطبيع بينما يواجه سباقاً صعباً لإعادة انتخابه في الربيع وسط اضطراب اقتصادي واستياء شعبي متزايد من اللاجئين السوريين؟ ما مدى التزامه بتلبية شروط دمشق؟ هل سيسحب الغطاء عن الفصائل المعارضة السورية أم سيستخدمها كورقة مساومة حتى اللحظة الأخيرة؟ وهل هو مصمم على تجاوز الاعتراضات والعقوبات الأمريكية على طول الطريق؟”.
في المقابل اعتبر الموقع أن مجرد كسر الجليد مع النظام السوري قد يفيد اردوغان في الانتخابات، بالنظر إلى أن ما يقرب من 60% من الجمهور التركي يدعم الحوار مع بشار الأسد على أمل أن يسهل استعادة العلاقات عودة اللاجئين. وقال “لقد كان السلام مع دمشق تعهداً انتخابياً للمعارضة، لذلك على أقل تقدير، جردهم أردوغان الآن من ورقة رابحة رئيسية، لكن قلة هم الذين يستطيعون القول على وجه اليقين ما إذا كان قد اتخذ خياراً لا رجوع فيه لتطبيع العلاقات أو ينظر إلى العملية على أنها مجرد استثمار انتخابي”.
وأشار التقرير إلى شروط بشار الأسد على تطبيع العلاقات مع تركيا، والتي تقضي بسحب قوات هذه الأخيرة من سوريا، وإنهاء دعمها للمعارضة السورية، فيما ترفض أنقرة ذلك وطالبت النظام السوري بمعاملة وحدات حماية الشعب كتنظيم إرهابي. واعتبر التقرير “إصرار تركيا المستمر على إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً 18 على طول الحدود، إما بمفردها أو بالتعاون مع النظام السوري كحقل ألغام آخر يمكن أن يعرقل قطار السلام”.
“القدس العربي”