وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في تركيا 3,535,898 لاجئًا حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2022. مع أنهم اندمجوا بطريقة جيّدة نسبيًا، يسود الآن “تململ من اللاجئين” في البلاد. تريد معظم الأحزاب السياسية، في الائتلاف الحاكم والمعارضة على حدٍّ سواء، إعادة اللاجئين إلى سورية، حيث لا اتفاق موافَق عليه دوليًا لإنهاء الحرب الأهلية. ولم يحدث تطبيع للعلاقات بين سورية وتركيا. يشكّل هذا الأمر مزيجًا سياسيًا سامًّا للاجئين.
حظيت السياسة التركية التي صبّت في مصلحة اللاجئين السوريين بإشادة دولية منذ العام 2015، ولكنها تشهد حاليًا تحوّلًا مفاجئًا. يُعزى ذلك إلى الأزمة الاقتصادية في البلاد، والانتخابات المقبلة، والعلاقات الروسية التركية المعقّدة.
بعد أن حاول الرئيس رجب طيب أردوغان، طوال عشر سنوات، الدفع باتجاه تغيير النظام في سورية، عمد مؤخرًا إلى تليين لهجته تجاه الرئيس السوري، معلنًا أن “ما من خلاف أبدي في السياسة”، وحتى إنه لمّح إلى إمكانية عقد اجتماع مع بشار الأسد. فردّ الأخير بحذر شديد، مذكّرًا بطلب بلاده من تركيا سحب قواتها من المناطق السورية الأربع حيث تنتشر. ثمة أسباب حقيقية خلف التغيير في المقاربة التركية.
على الرغم من الاندماج الناجح عمومًا للاجئين السوريين في تركيا، بمساعدة كبيرة من الاتحاد الأوروبي – تمّ الالتزام بمبلغ 9.5 مليارات يورو (10.2 مليارات دولار أميركي بحسب سعر الصرف الحالي) منذ العام 2016 – بات اللاجئون عبئًا على مَن هم في السلطة. ويتّهمهم المواطنون بصورة خاصة بـ”سرقة الوظائف من الأتراك”، ولا سيما في المدن الكبرى. فضلًا عن ذلك، يميل السياسيون من حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى إلقاء اللوم على اللاجئين لأدائهم الكارثي في الانتخابات البلدية للعام 2019.
ثانيًا، أبدت الأحزاب المعارِضة للائتلاف الحاكم المؤلَّف من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تأييدها الصريح لتجديد الروابط مع الأسد وإعادة اللاجئين. حتى إن الحزب المعارض الأكبر، حزب الشعب الجمهوري، قطع وعدًا في حملته الانتخابية بإعادة “الإخوة السوريين على وقع الطبول والأبواق في غضون عامَين”. وفي حين تعهّد أردوغان في ربيع 2022 بعدم إعادة اللاجئين، فإنه يصطف الآن إلى جانب الموقف الشعبي للمعارضة.
ثالثًا، قبل بضعة أسابيع فقط، حالت روسيا دون قيام تركيا بشنّ عملية عسكرية خامسة في شمال شرق سورية، فيما فرضت في الوقت نفسه على أنقرة المشاركة في اجتماع في موسكو ضمّ مسؤولين سوريين وأتراك في مجالَي الدفاع والاستخبارات، واستضافه نظراؤهم الروس. حتى إن اجتماعًا مرتقبًا بين وزراء خارجية الدول الثلاث قد يُسفر عن إحراز بعض التقدّم المؤقت. ولكن في هذه الاجتماعات، سيسعى كل طرف مشارك خلف أولويات مختلفة. فالهدف الذي تتوخّاه أنقرة هو الحصول على ضمانات أمنية من دمشق وموسكو في إطار تنفيذها لسياسة إعادة اللاجئين. وأهداف الأسد المعلنة هي الانسحاب التام للقوات التركية من سورية وعدم منح أردوغان زخمًا انتخابيًا. أما موسكو فتسعى إلى إعادة تأكيد قيادتها المتواصلة في سورية وقدرتها على التأثير في تركيا بطريقة حاسمة.
تتأثّر هذه الديناميكيات المحلية والخارجية المعقّدة بالضرورات الانتخابية للقيادة التركية، وبالسياق الدولي الراهن. لكن يجب على المجتمع الدولي أن يركّز، بدلًا من ذلك، على الجانب الإنساني للمسألة وأن يقلق بشأن مصير 3.5 ملايين لاجئ سوري في تركيا. قد يتحوّل هؤلاء السوريون إلى ضحايا المفاوضات السياسية بين ثلاثة أنظمة سلطوية يتخبّط كلٌّ منها في أوضاع صعبة جدًّا في الداخل والخارج.
المخاطر المُحدقة باللاجئين السوريين الذين يعودون إلى بلادهم كثيرة مقارنةً بالنزر اليسير من الحماية القانونية والاجتماعية التي يتمتعون بها راهنًا في تركيا.
تبرز أولًا مسألة العودة “الطوعية” مقابل العودة “القسرية”. لقد وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش، في دراسة حديثة، الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات التركية في طريقة توقيع اللاجئين السوريين على وثائق العودة. وحدث ذلك على الرغم من أن تركيا هي “طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكلاهما يحظّران الاعتقال التعسفي والحجز الاعتباطي، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة”، فضلًا عن التزامها بمبدأ “عدم الإعادة القسرية“.
يسود أيضًا التباس بشأن الطريقة التي ستعامل بها السلطات السورية اللاجئين عند عودتهم في ما يتعلق بسلسلة من الحقوق تشمل الاستحصال على وثائق ثبوتية وحقوق التصويت، والحصانة من الملاحقة، والخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الوصول إلى سوق العمل.
المسألة الثالثة المطروحة هي ما إذا كان العائدون سيتمكّنون من استعادة أملاكهم التي تركوها في سورية، مثل المنازل، أو الأراضي أو الأعمال التجارية، والتي ربما تعرّضت للدمار أو الأضرار أو المصادرة أو جرى الاستيلاء عليها. بالإضافة إلى توثيق حقوق الملكية، تشمل المهمة الضخمة إعادة تأهيل المباني. وقد تعرّض 300,000 مسكن للدمار أو لأضرار فادحة، ولحقت أضرار متوسّطة بنحو مليون مسكن، وفقًا للتقييم الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية. ومن المسائل المتفرّعة عن هذه القضيّة تعذّر استخدام الدعم المالي الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لتركيا، من أجل التحضير لعودة محتملة للاجئين – بما يغطّي تأمين مساكن وبنى تحتية اجتماعية جديدة، مثلًا، بالإضافة إلى الدفعات النقدية – بسبب عدم توافر إطار قانوني للوجود التركي هناك.
في الوقت الراهن، تشمل الآلية الدولية الوحيدة القائمة المساعدات الإنسانية العابرة للحدود التي تقدّمها تركيا للنازحين داخل سورية. سيكون إرساء إطار قانوني فعّال للعائدين المحتملين مهمّة شاقّة في تركيا، أي البلد الذي يعودون منه، وفي سورية التي يتوجّهون إليها. على الرغم من الاندفاعة السياسية في تركيا لتسريع العودة، من الضروري اعتماد آلية مناسبة لضمان الطابع الطوعي لقرار اللاجئ بالعودة، وتسجيل بيان ملكيته وفقًا للأصول الصحيحة. وفي سورية، يجب وضع آلية منظّمة تسمح للعائدين باستعادة أملاكهم والحصول على ضمانات بشأن حقوقهم. وينبغي تجنّب الهندسة العرقية، مثل استبدال الأكراد السوريين في شمال سورية بأعراق أخرى. علاوةً على ذلك، يجب أن تخضع العملية برمتها لإشراف دولي. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو غياب آلية سياسية فعلية في سورية لإنهاء الحرب الأهلية.
هذه المهام هي في غاية التعقيد، ولا يمكن تنظيمها بطريقة بعيدة عن التحيّز إلا من خلال وكالات الأمم المتحدة المتخصّصة، بدءًا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. فعودة اللاجئين بطريقة متسرّعة وغير منظّمة تعني أن الطوارئ السياسية في أنقرة ودمشق وموسكو تفوّقت على مقتضيات الكرامة البشرية الأساسية وعلى القانون الدولي. لذا، يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة التحرّك في الحال.
“مركز كارنيغي للشرق الأوسط”