– يبدو عنوان روايتك “افرح يا قلبي” بعيداً من مآسي شخصياتها وعنفها وتزمتها، على الرغم من الدلالات التي تحملها أغاني أمّ كلثوم الشجيّة والدراميّة والحزينة والسعيدة، وعلى الرغم من شخصية امّ كلثوم نفسها؟ لماذا هذا العنوان تحديداً؟
* العنوان له دلالات أيضاً. لقد استخدمت ما يسمى بالمفارقة. العبارة الموهمة للفرح، أي ما هو ظاهر متناقض. وفي اعتقادي، أنّ ثمّة حزناً، فيه شيء من الفرح المخدوش أو المتخفي. وفي العنوان عبارة تشي إلى التمني. ففي عيش المآسي، ألا يجد الإنسان نفسه يتمنّى ما يفرحه؟
– هل أردت القول من خلال الرواية أنّ المرء لا يستطيع الهروب من جذوره وهويته وأصوله؟
– هل بطل الرواية غسان تجسيد لصراع الشرق والغرب؟ في وقت تبدو زوجته الأميركية (الغربية) كيرستن متصالحة مع عالمها وخياراتها، وأمّه التقليدية متماهية مع أنواع القهر، أما زوجته الشرقية رلى الشابة، فعاشت تناقضاتها، انتقلت من أفكار اجتماعية تحريرية، الى زواجّ تقليدي، بل صارتْ صورتها كأنها الجارية وتتعامل مع غسان كأنه هارون الرشيد.
* غسان يتصارع في انتمائه، بين ما هو شرقيّ وغربيّ فيه، وفي هويته. وفي شخصيه مثله، حاولتُ أن أتتبّع حياتها وتفاصيل مشاعره، تبدو الرواية كما تقول…
– يقول إدوارد سعيد: “أياً كانت إنجازات المنفى، فإنها خاضعة على الدوام لإحساس الفقد”. هل هذا واقع غسان الشغوف بالعود وتراث جدّه.
– تبدو المرأة في الرواية معذبة منتهكة مضطهدة ضحية، بينما الرجل معنِّف، كذاب، مخادع وخائن، هل أنت صوت المرأة في الرواية؟
*بالحقيقة انا لست باحثة اجتماعية، ولا أحاول رفع أي شعار في رواياتي، وإنما أروي حكايات، يستطيع القارئ وحده ان يستخلص، أو يستنتج، فهذا حقه، وله حكمه. ابطالي متساوون بالنسبة إلي، وانا أكتبُ، أحاول أن اتتبّع مسارهم، وأفهم سلوكياتهم ودواخلهم، ويهمني كثيراً رصد علاقاتهم لتقول ما هو خفيّ، أو ظاهر، وما تحمله من قول. لكني بالتأكيد مهجوسه بألم النساء، فذلك يوجعني مثلما يوجعهن. لكني لم أغفل وجع الرجل ابداً. هناك الكثير من نماذج النساء، من نتعاطف معها، أو لا نفعل. كما الكثير من نماذج الذكور. لكن بالتاكيد، فإنك حين تتناول حيوات النساء في ظل الذهنيات الذكورية المتشدّدة، لا بدّ أن تجد نفسك تسرد حكايات موجعة ومؤثرة من مقدار تعنيفهن واضطهادهن. لا أظنّ أني أحمل خطاباً نسوياً متشدّداً، أراه أصولياً، أنا ضد كل ذهنية متشدّدة. ولست ضد الرجل أبداً. نسويتي إنسانية. هي في استعادة الحق للنساء للقَول المُصادَر والمَنفي في الأدب، وفي التعبير الحرّ وبفنية عالية، لتكون المرأة شريكة في المعرفة. المعرفة ناقصة من دونها، وحين الخطاب الذكوري سائد، إن في الأدب الذي يكتبه الرجل أو المرأة.
– إلى ماذا يرمز أكثر من “سعيد” في الرواية، سواء مقتطفات من أقوال إدوارد سعيد، أو حضور طيف مصطفى سعيد بطل رواية “موسم الهجرة الى الشمال” للطيب الصالح؟
– ملاحظتك لفتتني. مصادفة، حضور اسم إدوارد سعيد، ومصطفى سعيد، وأضف أيضاً، سعيد العربي. اسميته بهذا الاسم من باب المفارقة أيضاً. فهو بكّاء، كما قال عنه غسان، بطل الرواية.
– ما المؤثرات الحياتية والثقافية والسياسية التي جعلتك تكتبين هذه الرواية؟
* المؤثرات كثيرة، منها ما أُدركها، ومنها ما أجهلها. هي قلقي من من هذا الاضطراب في مسألة الهوية في ما وصل إليه المجتمع اللبناني، منذ الحرب إلى الآن، بل منذ التحولات من الخمسينيات إلى الآن، وربما منذ الاستقلال. التضارب إلى حد القتل ضمن العائلة الواحدة، الهجرات، العلاقة بالغرب والصراعات في العالم حيث لامست الصراعات حتى الدينية، انحدار الموسيقى، هجرة أبناء كل اخوتي وأصدقائي، بحثاً عن هوية أخرى، أضف أولاً إلى غضبي ونفوري من التعصّب والرديكاليات وتعنيف النساء، ونقد ما يستحق النقد من ضعف نساء او شرورهن. نقد الغرب انطلاقاً من وجهه التعصب، وليس إلا. وإيماناً مني بالتكامل الإنساني، ذهب خيالي إلى خلق شخصية كيرستن الأميركية عاشقة الشرق وموسيقاه. ولشدّة عشقي للعود والموسيقى عموماً، حلمت انه بإمكان الموسيقى ان توحد البشرية، طالما هي اللغة التي يفهمها كل البشر.. أردت حلماً أو ضوءاً في العالم يريحني ويريح القارئ. لكن للأسف، عندما تحقّق حلم السيمفونية في أذنيّ غسان ورأسه، التي طالما حلم بها، يستخدم فيها الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، تتعرض الطائرة لخطر السقوط. هي لم تتحقق على الأرض. النهاية مفتوحة، لأجعل القارئ شريكاً في كتابتها ونهايتها. وكأني تركت العلاقة بين الشرق والغرب مفتوحة على احتمالات كثيرة.
– شخصيات روايتك، هل ولدت تلقائياً أم هي إسقاطات على واقع ما في لبنان أو أي مجتمع شرقيّ؟
*لا، ليستْ إسقاطاً على الاطلاق، ولم أكتبْ يوماً وفق ذلك. في الرواية شخصيات من لحم ودم، لا بدّ وأن تشعر أنّ لهم وجوداً ووجوهاً تعرفها. وان هذا المجتمع تعرفه، او تتعرّف من خلال الرواية على ما تجهله من مجتمعك. وإن كانت كتاباتي صادمة أحياناً، فذلك لأني لا أراوغ. الكتابة عندي، تذهب دائماً إلى ما هو حقيقي وإلى التعرية. ومن الكتابة الحية والأدب أقرأ المجتمع، أو صوراً او نماذج منه، ما هو خاص، أو عام.
– عندما تكتبين نصاً عن مدينة بعيدة مثل نيويورك هل تستندين إلى الواقع ام الخيال أم القراءة؟
* إلى كل منها، وأكثر. قمت بأبحاث وتحقيقات كثيرة، كما قرأتُ كثيراً. لكن الخيال هو المنقذ لأي رواية. وصلت إلى درجة في الرواية، وكأني أعيش في نيويورك، كما شعرتُ أني أعرف وأعيش في بيت أهل غسان وأهل البلدة.