أكدت وزارتا خارجيتي السودان وإسرائيل، أمس الخميس، أن وفدا إسرائيليا برئاسة إيلي كوهين، وزير خارجية تل أبيب، زار الخرطوم، وأجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان.
الخارجية السودانية قالت إنه «تم الاتفاق مع كوهين على المضي قدما في تطبيع العلاقات» فيما أعلن الوزير الإسرائيلي في مؤتمر صحافي في مطار بن غوريون، عن حصول تقدم في اتفاق تطبيع العلاقات بين الحكومتين، وأن التطبيع سيحصل هذا العام بعد تشكيل حكومية مدنية.
مصادر سودانية قالت إن المباحثات أحيطت بسرية عالية، وأن وفد تل أبيب ضم مدير وزارة الخارجية رونين ليفي، والمتحدث باسمها ارييه شاليملر وآخرين، وأن المباحثات «اقتصرت على قادة الجيش السوداني» وأنها لم تشمل لقاء محمد حمدان دقلو، نائب البرهان.
يشكل إعلان هذا الاتفاق مفارقة سياسية بارزة، لأنه يسبق، عمليا، إنهاء الأزمة السياسية الناجمة عن انقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، ولكونه يعتبر التسوية مع القوى الخارجية أهمّ من الاتفاق بين السودانيين، ويسبق أهمية تشكيل حكومة قادرة فعلا على تمثيلهم، والنطق باسمهم، وبالتالي قادرة فعلا على تحمّل مسؤولية هكذا قرار.
ولأنه لا توجد حكومة مدنيّة فاعلة في السودان حاليا، فإن مسؤولية قرار التطبيع ستقع على المكوّن العسكريّ الحاكم، وهو ما يفترض وجود جبهة موحّدة بين الثنائيّ الحاكم: البرهان، رئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) نائبه الأول.
رغم اتفاقهما المفترض في مواجهة المكوّن المدني، تشير بعض تحرّكات البرهان وحميدتي الأخيرة إلى نوع من التنافس، أكثر من الوحدة، بين الطرفين، ومن ذلك قيام البرهان ونائبه بزيارتين منفصلتين إلى انجمينا، الأحد والاثنين الماضيين، حيث عقدا، خلال الزيارتين، مباحثات مع رئيس المرحلة الانتقالية في تشاد، محمد ديبي، تركزت على القضايا الأمنية والعسكرية.
لم يكتف القائدان العسكريان بالحضور، كلا على حدة، بل تضمنت مناقشات البرهان مع ديبي، حسب مصادر سودانية بينها صحيفة «الجريدة» نقاش قلق تشاديّ ـ فرنسي من انتشار قوات «الدعم السريع» (التي يقودها حميدتي) على الحدود مع جمهورية افريقيا الوسطى، وأنهما بحثا تفعيل قوة ثلاثية مشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى، و«إبعاد جميع القوات من حدود غرب دارفور» (أي القوات التابعة لحميدتي).
حسب تقرير لموقع «انتلجنس افريقيا» فإن النزاع بين البرهان وحميدتي يمتد خارج حدود السودان إلى بلدان أخرى، ففي أوائل الشهر الماضي أعلن حميدتي غلق حدود بلاده مع جمهورية أفريقيا الوسطى، التي أبرم حكامها اتفاقا مع «الدعم السريع» للتدخل ضد قوات المعارضة، قائلا إنه أحبط محاولة لتغيير النظام، وبعد يوم واحد من إعلان حميدتي إحباط انقلاب في أفريقيا الوسطى، أعلنت حكومة تشاد، أيضا، إحباط محاولة انقلاب ترأسها، حسب قول السلطات، بحر الدين بردي تارقيو، رئيس المنظمة التشادية لحقوق الإنسان!
العامل المثير في هذه التحرّكات الإقليمية المتعاكسة بين «الدعم السريع» والجيش السوداني، هو شركة فاغنر، التي تشارك في دعم عمليات المعارضة في التشاد، من جهة، وتساهم في الدفاع عن نظام أفريقيا الوسطى ضد خصومه السياسيين، وفي هذين البلدين يبدو حميدتي الأقرب لروسيا وفاغنر، فيما يبدو البرهان في الموقع الآخر.
إذا أخذنا في الاعتبار زيارة محمد ديبي، رئيس التشاد، لإسرائيل، حاليا، وافتتاحه سفارة لبلاده في تل أبيب، وتقاطع ذلك مع زيارة كوهين للخرطوم ولقائه بالبرهان، فإن التطبيع مع تل أبيب سيتبدى كاصطفاف إقليمي ودوليّ مع أمريكا وإسرائيل، واستقواء بطرف أجنبيّ، للحفاظ على سلطة مهددة، وهي لعبة توازنات خطيرة قد توقع بطرفيها الوازنين!
“القدس العربي”