نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته ليز سلاي، قالت فيه إن عاما مضى على الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنه ترك العالم منقسما بشكل أعمق.
وقالت الكاتبة إن روسيا استثمرت خيبة عالم الجنوب من الولايات المتحدة وكسبته إلى جانبها. وفي تقريرها من جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، قالت إن كليمنت مانياثيلا، الذي يقدم برنامجا حواريا يحظى بشعبية وتأثير في راديو 702، تذكر شعوره عندما غزا الروس أوكرانيا، فقد آمن بتأكيدات الروس أنهم لا يخططون للهجوم وشعر بالخداع عندما اندلعت الحرب “لقد تم الكذب علينا” كما قال.
ومع استمرار الحرب، بدأ المتصلون ببرنامجه يثيرون أسئلة مثل: لماذا اعتقد فلاديمير بوتين أن الغزو ضروري؟ هل غذى الناتو الحرب من خلال الأسلحة التي أرسلها لأوكرانيا؟ وكيف تتوقع الولايات المتحدة دعم بقية العالم لسياساتها وهي التي قامت باحتلال دول أخرى؟
ويقول مانياثيلا: “عندما ذهبت أمريكا إلى العراق وليبيا، كان لديها مبرراتها الخاصة والتي لم نصدقها. واليوم يريدون تحريض العالم ضد روسيا. هذا غير مقبول أيضا”.
وأضاف: “لا أزال معتقدا أنه لا يوجد أي مبرر لغزو بلد، لكن لا أحد يملي علينا بشأن التحركات الروسية في أوكرانيا، وأعتقد صادقا أن الولايات المتحدة تحاول التنمر علينا”. وبعد عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، حشد الغرب المنتعش قواه ضد روسيا، وشكّل ما أسماه الرئيس جو بايدن “التحالف الدولي”. إلا أن نظرة أبعد عن الغرب تُظهر أن العالم ليس متحدا على القضايا التي أثارت الحرب في أوكرانيا. بل على العكس، كشف النزاع عن انقسام عالمي عميق، حدّ من تأثير الولايات المتحدة على نظام عالمي متغير. والأدلة كثيرة حول فشل الغرب بما فيه الولايات المتحدة لعزل بوتين، وليس بين حلفاء روسيا المتوقع منهم دعمها مثل الصين وإيران، بل الهند التي أعلنت في الأسبوع الماضي أن التجارة مع روسيا زادت بنسبة 400% منذ الغزو.
عندما ذهبت أمريكا إلى العراق وليبيا، كان لديها مبرراتها الخاصة والتي لم نصدقها. واليوم يريدون تحريض العالم ضد روسيا. هذا غير مقبول أيضا
وفي الأسابيع الستة الماضية، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف تسع دول أفريقية وشرق أوسطية، منها جنوب أفريقيا، حيث وصفت وزيرة خارجيتها ناليي بندور اللقاء مع لافروف بـ”الرائع”، قائلة إن جنوب أفريقيا وروسيا بلدان “صديقان”. وفي يوم الجمعة، أي في ذكرى عام على الحرب، ستجري جنوب أفريقيا وروسيا والصين مناورات عسكرية بحرية في المحيط الهندي، في رسالة تضامن مع روسيا، في وقت كانت الولايات المتحدة تأمل بأن ترسل رسالة شجب عالمي ضد روسيا.
وتظهر النقاشات في الهند وكينيا وجنوب أفريقيا، ترددا عميقا بشأن النزاع الحالي، وهو نابع ليس من السؤال حول خطأ روسيا، ولكن تدفعه التظلمات التاريخية ضد الغرب، مثل الاستعمار والمفهوم العام عن الغرب المتغطرس وفشل الغرب في رصد مصادر مماثلة لحل النزاعات، وشجب انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن أخرى من العالم، مثل المناطق الفلسطينية وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال الكاتب الإداري في كالكتا، بكشر دوتا، إن الدول الغربية “منافقة” و”هؤلاء الناس استعمروا كل العالم.. بالطبع لا أحد يوافق على ما فعلته روسيا، لكنك لا تستطيع إلقاء اللوم عليهم بشكل كامل”.
وتشير الولايات المتحدة إلى أن 141 دولة من 193 دولة عضو في الأمم المتحدة صوتت في تشرين الأول/أكتوبر لشجب إعلان الكرملين عن ضم أجزاء من أوكرانيا، لكن لم تفرض عقوبات على موسكو سوى 33 دولة، وهناك عدد مماثل يزود أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة.
وفي دراسة مسحية أجرتها الوحدة الأمنية في مجلة إيكونوميست العام الماضي، وجدت أن ثلثي سكان العالم يعيشون في الدول التي امتنعت عن شجب روسيا.
ويقول ويليام غوندي، مؤسس ومدير “ديمكراسي ورركس فاونديشن” في جوهانسبرغ، إن هذا الوضع ليس عبارة عن معركة بين الحرية والديكتاتورية كما يقول بايدن دائما، مشيرا إلى رفض البرازيل والهند وجنوب أفريقيا الانضمام لتحالف بايدن الدولي. ويرى أن هذا هو نتاج لسخط يتنامى على مدى أكثر من عقد ضد الولايات المتحدة وحلفائها، والتي فشلت وفقدت الاهتمام بمعالجة مشاكل عالم الجنوب، كما يقول.
وعندما انتشر فيروس كورونا، أغلقت الدول الأوروبية أبوابها في الداخل ومن الخارج، وزاد احتقار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأفريقيا من مشاعر السخط. وفي الوقت الذي تراجع فيه الغرب، دخلت الصين وروسيا وتقربت من الدول النامية، واستثمرتا المشاعر الحانقة بشأن مفهوم الهيمنة الغربي على هذه الدول. وتحول الشرق الأوسط وقارة أفريقيا إلى ساحة كفاح من أجل كسب العقول والقلوب، وكذا دول آسيا وبشكل أقل دول أمريكا اللاتينية، المرتبط مصيرها أكثر بقربها الجغرافي إلى الولايات المتحدة. وكان الشرق الأوسط هو المكان الذي كسبت فيه روسيا أصدقاء، حسب فيصل، المستشار المصري المتقاعد من منظمة لمكافحة الجريمة المنتظمة. وقال في مقابلة معه بالقاهرة: “بالطبع أدعم بوتين.. فقدنا الثقة بالغرب منذ زمن طويل. كل العرب في هذا الجزء من العالم يدعمون بوتين. ونفرح عندما نسمع أنه سيطر على مناطق في أوكرانيا”.
وقال غوندي: “فشل الغرب خلال الـ15 الماضية في اكتشاف الغضب المتنامي حول العالم.. واستغلت روسيا هذا”. مضيفا: “نجحت روسيا في تصوير أوكرانيا كحرب ضد الناتو، وهي معركة بين الغرب والبقية”. ورغم الجهود الغربية لتحميل روسيا مسؤولية حربها في أوكرانيا، ومشكلة نقص الطعام وارتفاع معدلات التضخم العالمية، إلا أن معظم الدول حول العالم تلوم الغرب وعقوباته التي فرضها، كما يقول وزير الخارجية الهندي كانوال سيبال. وأضاف أن بقية العالم لا تؤمن بالرواية الغربية عن الواجب الأخلاقي لمواجهة روسيا عندما يتم خرق مبادئ الديمقراطية والسيادة الوطنية وقواعد النظام العالمي. وقال: “هذا جدال لا يمر على الناس الجادين”، مشيرا إلى أمثلة مثل قصف الناتو لصربيا، ودعم الولايات المتحدة للديكتاتوريين أثناء الحرب الباردة وحرب العراق. وهي أمثلة تظهر خرق الولايات المتحدة لنفس القواعد. وأضاف: “تنظر بقية العالم لهذه بأنها حرب أوروبية، وليست حربا عالمية أو حسب الطريقة التي يقدمها الغرب”. قائلا: “نعم تركت تداعيات دولية مثل التضخم، ولكن ذلك جاء نتيجة للعقوبات”.
ورفضت الهند المخاطرة بعلاقاتها مع روسيا، وقدمت مصالحها نظرا لاعتمادها على السلاح الروسي ومحاولة خفض التضخم من خلال شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة. وقال سيبال إن هناك عشرات الآلاف من الجنود الصينيين المحتشدين على الحدود مع الهند. ولذلك، لا يمكن تنفير روسيا من الهند، أو قف صادرات السلاح الروسي لها.
ويرى سيبال أن الولايات المتحدة تحتاج الهند لموازنة الصين، وبعد محاولات لإقناع الهند بتبني سياسة مماثلة لها في أوكرانيا، قبلت الآن الموقف الهندي. ولم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على نيودلهي بسبب توقيعها صفقة صواريخ مع روسيا في العام الماضي، واختارت توسيع العلاقات معها من خلال صفقات أسلحة بديلة.
وفي الوقت الذي تراجع فيه الغرب، دخلت الصين وروسيا وتقربت من الدول النامية، واستثمرتا المشاعر الحانقة بشأن مفهوم الهيمنة الغربي على هذه الدول
في المقابل، لم يتفهم المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون قرار جنوب أفريقيا عقد مناورات عسكرية بحرية مع روسيا والصين، ورأوا فيه ميلا أبعد من الموقف المعلن عن الحيادية تجاه الحرب. ورد المسؤولون في جنوب أفريقيا أن بلادهم شاركت في العام الماضي بمناورات عسكرية أمريكية، إلا أن مسؤولا طلب عدم الكشف عن اسمه، علّق أن طبيعة مناورات العام الماضي ركزت على الرد الإنساني والكوارث الطبيعية.
وبدأت المناورات العسكرية الروسية- الصينية الجمعة، وشاركت فيها قوات بحرية روسية، ضمت واحدة من أهم البوارج الحربية، الأدميرال غورشكوف المزودة بصاروخ زيركون، فرط الصوتي.
ويرى كوبوس ماريرس، زعيم حزب التحالف الديمقراطي المعارض، أن المناورات تمنح روسيا فرصة علاقات عامة، في وقت يركز الغرب اهتمامه على الذكرى السنوية الأولى للحرب.
إلا أن جنوب أفريقيا لديها أسبابها لكي تظل موالية لروسيا، ففي أثناء الفصل العنصري، دعم الاتحاد السوفييتي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ودرّب قادته عسكريا، منهم وزير الدفاع الحالي ثاندي مودياس. وقال أليجا ندوفو من سويتو القريبة من جوهانسبرغ، والتي كانت مركزا للمقاومة ضد الفصل العنصري: “روسيا كانت معنا عندما كنا بالأغلال، ولا نقول إن روسيا محقة في تدمير أوكرانيا، لكنك لو سألتنا أين نقف في هذا القتال، فسنكون صادقين ولن ندير ظهرنا أبدا لروسيا”. ويقول شيكس ماتالونغ (33 عاما) إن رؤيته للنزاع غير واضحة، لكنه طالما نظر لأمريكا كدولة إمبريالية، وروسيا ترد عليها اليوم.
“القدس العربي”