تطلق مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، كل سنة، جدالا واسعا في العالم العربي يدور حول أوضاع النساء، وحقوقهن المنتهكة، ومطالب المساواة والعدالة، فيما يفضّل البعض التركيز على الإيجابيات والمزايا القانونية التي اكتسبتها، أو المناصب التي حصلت عليها، أو الإنجازات العلمية أو السياسية أو المهنية التي تفوقت فيها.
يحفل هذا الاحتفال عادة بالكثير من المقارنات، خصوصا بين العالم الغربي، وبعض أقطار العالم الأخرى، التي تبوأت فيها النساء مناصب القيادة السياسية العليا، أو تحققت فيها درجات عليا من المساواة في أركان الحياة المتعددة، وغيرت فيها النساء المشهد العام، أو تمكن بنضالهن من إنجاز تغييرات ثقافية هائلة.
تنبع هذه النقاشات من تاريخ هذا اليوم الذي وثق خروج 15 ألف امرأة أمريكية عام 1908 إلى شوارع مدينة نيويورك، وقد اجتمعت في هذا الحراك النضالي قضيتان: الأولى هي العدالة السياسية، حيث طالبن بحق التصويت مثل الرجال، والثانية هي العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حيث طالبن بزيادة الأجور والمساواة في ساعات العمل.
كما تنبع من اعتماد منظمة الأمم المتحدة، عام 1975، لهذا التاريخ، كمناسبة للاحتفال العالمي، وللتذكير بالقضايا المحقة للنساء في كل أنحاء العالم، وبالتنديد بالممارسات المجحفة بحقوقهن، أكان قانونيا، أو لأسباب ثقافية أو دينية أو اجتماعية، تحط من قدرهن وتحاول حجزهن في الهامش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
يحمل هذا اليوم، بالضرورة، طابع الاحتجاج، وخصوصا في البلدان التي تعاني فيها النساء من أنواع الظلم والتعسف والتهميش، وهو أمر ينطبق على كثير من بلداننا العربية، كما على بعض البلدان الإسلامية، كما هو حال أفغانستان، التي تردى فيها وضع النساء إلى حال مرعبة بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة، فمنعت من أدنى حقوقها، وصودرت حرياتها، وتواجه أي مطالبة بتغيير هذه الظروف بالقمع.
أما في إيران، فقد تحول مقتل الفتاة الكردية مهسي أميني بعد اعتقالها من قبل «شرطة الأخلاق» إلى موضوع لاحتجاجات كبيرة لم تنته، كما أثار موجة تنديد عالمية.
المرأة الفلسطينية هي في قلب الصراع مع الاحتلال، الذي ينتهك حقها في الحياة، فقد لقيت بعض النساء حتفهن تحت أنقاض منازلهن التي دمرها الاحتلال، كما قتلت عدة فتيات داخل المدارس، كما تتعرض الفلسطينية للاعتقال التعسفي والأسر وأشكال الاعتداء والتمييز والمضايقة والتحرش.
انضاف التهميش والظلم الاجتماعي للنساء في بعض البلدان العربية كسوريا والعراق واليمن إلى ظروف الحروب والصراعات المسلحة واللجوء والنزوح والفقر وانعدام الأمن، كما لمعاناة أشكال الانتهاكات البشعة الأخرى، التي تمارسها الأنظمة وبعض الميليشيات المسلحة.
ما تزال النساء في المنطقة العربية عموما، حتى في البلدان المستقرة نسبيا، يتعرضن لمشاكل العنف، لكونهن، كما تقول منظمة المرأة العربية، «الأكثر هشاشة على سلم الحقوق والأقل امتلاكا لمصادر القوة الاجتماعية سواء الرمزية أو المادية».
حققت النساء العربيات إنجازات عديدة في مجالات التعليم والصحة والتمثيل في المجالس النيابية وغيرها، والحديث عن الإنجازات السياسية أو الاقتصادية أو العلمية، حتى على مستويات فردية، يبقى مؤشرا جيدا للكفاح الكبير الذي تخوضه النساء في بلداننا، ويعكس الشجاعة الكبرى التي يبدينها في ظل تحديات هائلة.
“القدس العربي”