بعد حلوله في الجزائر، تستعد تونس لاستقبال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد الذي سيصل اليوم في زيارة عمل لها، بدعوة من نظيره التونسي، وذلك “حرصاً على إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي على خلفية تعيين سفير للجمهورية التونسية لدى سوريا وقرار السلطات السورية إعادة فتح السفارة السورية بتونس وتعيين سفير على رأسها” حسب التصريحات الرسمية.
يجري ذلك بينما تسير حكومة حزب العدالة والتنمية التركية بخطى ثابتة تجاه الانفتاح على النظام السوري، والتي تهدف من ورائه إلى حل التوترات الكامنة في علاقاتها الإقليمية، وإيجاد صيغة لإنهاء قضية حزب العمال الكردستاني الذي يمثل ورقة انتخابية حساسة في الفترة الراهنة، ولأسباب مرتبطة بقضية اللاجئين السوريين التي تحاول سحبها من يد الأحزاب المعارضة على اعتبارها أهم أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا.
وتنوي أنقرة إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، لإعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري، وفي المقابل يتعنت النظام السوري في هذا المسار رغم رغبته في تحييد آخر القوى الرئيسة الداعمة للمعارضة.
وأعلنت الرئاسة التركية في تصريحاتها الأخيرة عن الأولويات والمبادئ الأساسية بخصوص مسار عودة العلاقات السياسية مع النظام السوري. وكشف المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن عن ثلاث أولويات أساسية طرحها على النظام السوري لاستكمال مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين.
3 أولويات تركية
وقال كالن في حديث لقناة (TV100) التركية، إن الأولويات الثلاث تتمثل في: ضمان أمن الحدود التركية ومكافحة “الإرهاب”، والعودة الآمنة للاجئين السوريين، وإجراء عملية سياسية لحل الأزمة في سوريا. وأوضح كالن أن المبدأ الأساسي الأول المتمثّل بضمان الحدود التركية ومكافحة الإرهاب، يُقصد به مكافحة “حزب العمال الكردستاني (PKK)، سواء كان اسمه حزب الاتحاد الديمقراطي، أو وحدات حماية الشعب، أو قوات سوريا الديمقراطية، معتبراً أن “كل عنصر من أولئك، هو عنصر من حزب العمال الكردستاني، وهو هدف واضح ومشروع بالنسبة لنا. ووفق تقييماتنا والمكان الذي نراه مناسباً، سنذهب وننجز العملية”. وإزاء عودة اللاجئين السوريين، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إن العودة “يجب أن تكون بشكل طوعي ومشرف وآمن.
إنهم بشر فرّوا من الحرب، ولكنهم بالطبع لن يبقوا هنا إلى الأبد، وسيعودون بالتأكيد عندما تصبح الظروف الأمنية والإنسانية والاقتصادية مناسبة”. وقال كالن: “المبدأ الأساسي الثالث يتجسّد بتنفيذ هذه الأعمال بصورة جدية. فإذا افترضنا -على سبيل المثال- أننا أعدنا 500 ألف سوري، أو مليوناً أو مليوني سوري بالقوة، أو من خلال إقناعهم بطريقة ما من دون عمل جاد ومن دون أن تنضج الظروف، فإن الأسد سيهاجمهم مرة أخرى”.
وأردف: “وبمجرد أن يهاجمهم النظام مجدداً، فسوف يعودون إلى تركيا مرة أخرى، وسنشهد مأساة إنسانية جديدة. بل والأسوأ من ذلك أن الحرب ستزداد وتيرتها، وستظهر في المستقبل منظمات إرهابية أخرى، وتهديدات إرهابية… لهذا السبب يجب التدخل قبل أن يظهر التهديد”.
دمشق – تونس
في موازاة ذلك، قالت وزارة الخارجية التونسية أن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد سيصل إلى تونس الإثنين في زيارة رسمية، بدعوة من نظيره التونسي. وأعلنت الخارجية التونسية في بيان نشرته الأحد عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، إن وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج نبيل عمار، وجّه دعوة لـ المقداد لزيارة “عمل” في تونس خلال الفترة ما بين 17- 19 نيسان الجاري. وتأتي الزيارة ضمن ما وصفته الخارجية التونسية “تكريساً لروابط الأخوة العريقة القائمة بين البلدين الشقيقين، وفي إطار الحرص على إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي على إثر تعيين سفير للجمهورية التونسية لدى سوريا وقرار السلطات السورية إعادة فتح السفارة السورية في تونس وتعيين سفير على رأسها لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين”. وتواصل بعض الدول العربية مساعيها في التطبيع مع النظام السوري وإعادة دمشق إلى المنظومة العربية الرسمية، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية لأكثر من عقد من الزمن.
موقف المعارضة
تزامناً، أعلنت هيئة التفاوض السورية المعارضة موقفها، من التطبيع مع النظام السوري ومستقبل العملية السياسية. وطالبت الهيئة في بيان رسمي أن تنص أية مبادرة للتسوية في سوريا على التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2245 (عام 2015) بما يتيح تحقيق الانتقال السياسي، والعدالة والإفراج عن المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين قسريًا، وعودة النازحين واللاجئين الكريمة والطوعية إلى مواطن سكنهم الأصلية في ظل بيئة آمنة ومحايدة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة. انطلاقًا من ذلك، ثمنت هيئة التفاوض “الجهود المبذولة لإنهاء المأساة وتحقيق السلام والاستقرار واستعدادها للتجاوب معها والانخراط في مفاوضات سياسية جادة وذات مصداقية تلبي تطلعات الشعب السوري”. واعتبر البيان أن “المنعطفات الخطيرة واللحظات التاريخية الحاسمة التي نمر بها واستمرار معاناة السوريين التي ازدادت تنوعًا وعمقًا وانتشارًا بين أطيافهم كافة، وإعادة توحيد سوريا شعبًا وأرضًا، لتكون دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة تامة على كامل أراضيها”.
المقداد في الجزائر
وحلّ في الجزائر فيصل المقداد في زيارة “للتشاور السياسي بين البلدين”، في وقت نقلت مصادر إعلامية ترقب السلطات الجزائرية للموقف السعودي الأخير في موضوع عودة سوريا للجامعة العربية. وتعتبر زيارة المقداد للجزائر الثانية من نوعها في ظرف سنة، يجري خلالها محادثات ولقاء مع وزير الخارجية الجزائري الجديد أحمد عطاف ولقاء مع الرئيس عبد المجيد تبون الذي سلمه المقداد رسالة من نظيره السوري بشار الأسد.
وفي تصريح للصحافة عقب استقباله من قبل عطاف في مطار هواري بومدين الدولي، قال المقداد: “إن لدى الجزائر رمزية خاصة لدى الشعب السوري ولدى كل شعوب العالم”، مؤكداً أن العلاقات بين الجزائر وسوريا “كانت ولا زالت وستستمر بين بلدينا الشقيقين”. ولفت إلى أن “المشاورات بين الجانبين حول كافة التطورات في المنطقة والعالم لم تنقطع”، مضيفاً: “نحن بحاجة إلى تعزيز تلك العلاقات، لأننا بذلك نعكس الرؤية الصادقة لشعبي وقيادتي البلدين، لتطوير العلاقات في كافة المجالات، ومهما قلنا لا يمكننا وصف الدور الهام الذي تقوم به الجزائر على مختلف المستويات”. وترتبط الجزائر بعلاقات طبيعية مع السلطات في دمشق، حيث كانت من الدول القلائل التي رفضت قطع تواصلها الدبلوماسي مع النظام السوري، وبقيت المكالمات بين الرئيسين والزيارات على مستوى وزراء الخارجية قائمة. وتأتي زيارة المقداد في مرحلة مفصلية تشهد تحولاً على الساحة العربية من رفض تام للعمل مع النظام السوري إلى سعي لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهي مساعٍ تتصدرها حالياً المملكة العربية السعودية التي ستستلم رئاسة القمة العربية شهر أيار/مايو المقبل في حال انعقدت في تاريخها الدوري ولم تتأجل.
وفي البيان الختامي الذي أعلنته الخارجية السعودية بعد اجتماع جدة، أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وشددوا على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.
اجتماع جدة
كما أكد وزراء الخارجية على أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وهو ما يشير إلى اعتراف ضمني بالنظام السوري، لكن دون حديث صريح عن موافقة جماعية على عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية.
وتبدو الجزائر بعد الإعلان عن اجتماع جدة الذي جمع 9 دول عربية لغرض بحث المسألة السورية، مستغربة من الموقف السعودي واعتبرت أنه لا يراعي كون الجزائر لا تزال إلى غاية الآن الرئيسة الفعلية للقمة العربية. ونقل موقع “كل شيء عن الجزائر” الناطق بالفرنسية عن مصادر دبلوماسية جزائرية قولها إن “الموقف السعودي غير مفهوم”، وهو “يتصرف كما لو أن السعودية هي الرئيس الحالي للجامعة العربية”. وأضافت المصادر الجزائرية، أن السعودية “يجب أن تنسق” مع الجزائر التي تتولى الرئاسة الحالية لجامعة الدول العربية، للإعداد بشكل أفضل للقمة المقبلة للجامعة العربية.
“القدس العربي”