إن الكتابة عن أشخاص حقيقيين وعن تاريخي حقيقي في عمل روائي ليس بالأمر اليسير، وتزيد إثارته للجدل إذا كانت الحقبة التاريخية قريبة نسبيا وشخصياتها مازالوا موجودين. ورغم ذلك تجرأ الكاتب والصحافي الإيطالي السويسري جيوليانو دا إيمبولي على اقتحام خفايا عوالم واحدة من أهم الشخصيات العالمية اليوم، وهي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
سيبيلي بيني
برلين- لفترة طويلة كان فلاديسلاف سوركوف يعد القوة الكامنة خلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان يمارس سلطاته وراء الكواليس. ويعرف فلاديسلاف بأنه مساعد موهوب والعقل المدبر للأحداث الجيوسياسية، حتى أن البعض وصفه بـ”راسبوتين بوتين”.
ويرجع إلى فلاديسلاف سوركوف الذي يعد المنظّر الرئيسي للبوتينية اختراع هجين السياسة والحرب، الذي أصبح السمة الرئيسية لأسلوب حكم بوتين. وكان سوركوف في السابق مهندس سياسة روسيا بشأن أوكرانيا. ومع ذلك، خلال عام 2020، تم فصله بصورة مفاجئة من منصبه كمستشار رئاسي.
رواية تثقيفية
الآن تشهد هذه الشخصية التي ربما تعتبر الأكثر إبهارا في عالم بوتين تجسيدا لها من خلال شخصية فاديم بارانوف في رواية “ساحر الكرملين” للكاتب والصحافي والروائي الإيطالي السويسري جيوليانو دا إيمبولي.
وقد أصبحت الرواية التي تمت كتابتها قبل الحرب في أوكرانيا، الأكثر مبيعا في فرنسا، وقد تم إصدارها في ألمانيا قبل نشرها باللغة الإنجليزية في أكتوبر 2023. وبعد مرور عام على بدء الحرب، يمكن أن تتم قراءة الرواية بأعين مختلفة كليا: كتحليل توقعي للبوتينية ولحاكم يقوم في النهاية بتعريف نفسه من خلال الحرب.
وجاء في الرواية “ولدت إمبراطورية القيصر من رحم الحرب، وكان من الطبيعي أن تعود في النهاية إلى الحرب”. ويشار في الرواية إلى بوتين على أنه القيصر، السياسي الذي يستكمل التقاليد الإمبراطورية الروسية.
وتعد رواية “ساحر الكرملين” أول عمل روائي لدا إيمبولي. فهو عالم في مجال السياسة، وكان يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي، كما أنه يترأس مركز أبحاث موال لأوروبا.
ولا يرى دا إيمبولي نفسه متخصصا في الشأن الروسي، ولكن كمحلل لهيكل السلطة. ومن خلال شخصية بارانوف، أوجد دا إيمبولي شخصية تخيلية ومعقدة لمفكر ساخر، ساعدته مهارته وحظه في تخطي أعوام ما بعد السوفييت الفوضوية لينضم إلى الدائرة المقربة من بوتين.
بالنسبة إلى القراء في الغرب، فإن الرواية تثقيفية وتروي بصورة ممتعة رحلة عبر تاريخ روسيا على مدار الـ30 عاما الماضية. تظهر شخصيات تاريخية مختلفة تتضمن رفقاء في الجيش وخصوما لبوتين مثل بوريس بيريزوفسكي وميخائيل خودوركوفسكي، اللذين تمت الإطاحة بهما مثل قطع الشطرنج.
ويتشابك مصيرهما في الرواية بمصير بارانوف. مع ذلك، يختفيان من القصة بمجرد أن يتقدما في مسيرتهما.
رصد التاريخ
تضم الرواية بعض المشاهد المكتوبة بصورة جميلة. ويصف الكاتب في الرواية سقوط بوريس يلتسين بطريقة ساخرة في مواجهة مع الرئيس الأميركي حين ذاك بيل كلينتون.
ويظهر المشهد الرئيس الروسي يترنح وهو مخمور، ويضحك عليه كلينتون، ويصفعه على ذراعه ويقول “دولة بأكملها، 150 مليون روسي، ينبطحون أرضا من الخزي لدى رؤية الابتسامة الكبيرة للرئيس الأميركي”.
مثل هذه المشاهد المحرجة لا يجب أن تحدث مجددا في ظل قيادة بوتين.
◙ الرواية تثقيفية تظهر شخصيات تاريخية مختلفة وتروي بصورة ممتعة رحلة عبر تاريخ روسيا على مدار 30 عاما
ويوثق مشهد تاريخي آخر في الرواية تحول بوتين البارد، وهي اللحظة التي يواجه فيها المستشارة الألمانية حين ذاك أنجيلا ميركل، التي تُعرف بخوفها من الكلاب الكبيرة، بكلبه لابرادور.
وجاء في الرواية “هذه هي اللحظة التي يقرر فيها القيصر خلع قفازيه وبدء لعب اللعبة التي تعلمها في لينينجراد”.
ومن المثير للسخرية، بعد مغادرة بارانوف، يبقى كلب لابرادور المستشار الوحيد للرئيس “الذي يثق فيه بوتين بصورة كاملة”. وفكرة دا إيمبولي في الخوض في عالم وأفكار شخصية قوية من خلال شخصية مستشار ليست جديدة، ولكن في حالة بوتين تعد بناءة.
يذكر أن كتاب “ساحر الكرملين” كان خامس أكثر الكتب مبيعًا في فرنسا في عام 2022. وحصل على جائزة من الأكاديمية الفرنسية. وحظيت الرواية بالإشادة من عدد كبير من السياسيين والدبلوماسيين.
“صحيفة العرب”