يعود الموسيقار العالمي مالك جندلي بألبوم جديد يتضمن ألحاناً سورية يعرضها في أهم المحافل الموسيقية العالمية، استمراراً لنهجه في توظيف الموسيقى لما يقول إنها القضايا العادلة، ويهدي الكونشرتو لكل المظلومين في كل مكان، ويخص تحديداً الشعب السوري الذي يخذل كثيرون قضيته ويحاولون طمس «جرائم نظام بشار الأسد». ويؤكد المؤلف الأمريكي ذي الأصول السورية في هذا الحوار الذي خص به «القدس العربي» أن السلام الحقيقي هو ضالة الإنسان الواعي، وهدف لكل جماعة بشرية على هذا الكوكب، ولكن السلام المنقوص المبني على الظلم والقمع والقتل لا يمكن أن يدوم، وهي إشارة لمحاولات إخماد شرارة الثورة التي قال إن الشعب السوري ثار على الظلم والإجرام، وكان الناس ينشدون السلام، وما زالوا بعد اثني عشر عاماً مصرين على نيله. ويرى جندلي أن سردية السلام شبه مغيبة لدى تناول موضوع الثورة السورية وهذا ما يحاول التأكيد عليه دائماً كونه المؤسس والرئيس التنفيذي للمنظمة الخيرية «بيانو من أجل السلام» معتبراً أن ما يفعله هو واجب إنساني وأخلاقي ووطني، و«لا تخسر قضية ما لم يستسلم أصحابها، ونحن أصحاب قضية نبحث عن السلام الدائم وعن وطن يحترم أبناءه ويأويهم ويعبر عنهم». ويشدد جندلي أنه «لن تثني الجميع التطورات الحالية والسابقة ولا اللاحقة عن إيصال رسالتنا باسم أطفال سوريا الأحرار».
وهنا تفاصيل الحوار.
○ هل الألبوم الجديد محاولة لإبقاء نبض الشارع حياً بعيداً عن دهاليز السياسة؟
•لم يتوقف نبض الشارع السوري، فالمظاهرات السلمية رغم كل الظروف وخذلان العالم ما زالت مستمرة رغم كل التشويش والتشويه الذي يتعرض له الشعب السوري، واللاجئون في الشتات يحاولون جاهدين الوصول لحل لإنهاء هذا الظلم. أستطيع القول وبكل تواضع بأن هذا الإنتاج الموسيقي هو محاولة جادة لعكس مرآة الواقع الأليم من خلال أعمال فنية هادفة لنشر الأمل والسلام للبشرية جمعاء. وإصدار هذا الألبوم هو بمثابة فتح نافذة من الأمل على الرغم من الألم الذي يعيشه أطفال سوريا اليوم. الهدف من الألبوم هو إيصال جمال سوريا وتراثنا العالمي الذي احتضنه تراب وطني وبات جزءاً لا يتجزأ من هويتنا الثقافية التي أعتبرها عالمية بامتياز كوننا مهد الحضارات والديانات. ليس الهدف من هذا الألبوم التعاطف، ولكن طرح جمال ثقافتنا العربية والإسلامية على الرغم من بشاعة الواقع من تزييف وتشويه الحق والحقيقة.
○ هل يمكن أن تخبرنا عن ألبوم «كونشرتوز»؟ وما الرسالة التي يحملها إنتاجك الفني الجديد؟
•الألبوم الجديد تحت عنوان «كونشرتوز» هو الإصدار الخامس عشر في رحلتي الموسيقية، بحثاً عن الحقيقة والجمال، في محاولة لإبراز تراثنا العربي والإسلامي بأسلوب معاصر يواكب الحداثة الثقافية في العالم اليوم. كما أن الهدف الرئيسي من هذا الألبوم هو الحفاظ على تراثنا العربي الثري وطرحه عالمياً بأداء أرقى فرق الأوركسترا السمفونية، وأهم العازفين المنفردين في مجال الموسيقى الكلاسيكية. ومن خلال هذه الشراكات نحاول إبراز الجانب الإنساني من القضية السورية، ومن خلال القوة الناعمة للفن لتوصيل صوت أطفال سوريا والمعتقلين وكل المظلومين، خاصة اللاجئين في مخيمات التهجير القسري. ومن خلال إنتاج وطرح هذا الألبوم نخاطب العالم أجمع، ومن خلال قالب الكونشرتو نبرز للجميع بأننا جزءٌ منهم وتراثنا العريق أثرى حضارات البشر.
○ يتضمن الألبوم عملين موسيقيين بقالب الكونشرتو، ما تفاصيل كل عمل وفرقة الأوركسترا والعازفين المنفردين المشاركين؟
•نطرح في هذا الألبوم الألحان السورية، من خلال كونشرتو الكلارينت وكونشرتو الكمان، وكلاهما من ثلاث حركات، قمنا بتوظيف المقامات العربية باستخدام العلوم والنظريات الأكاديمية ضمن قوالب الموسيقى الكلاسيكية. ويؤدي كونشرتو الكلارينت العالمي أنتوني ماكغيل، العازف الأول في فرقة أوركسترا نيويورك الفلهارمونية، وهو بروفيسور في معهدي جوليارد وكورتيس الشهيرين. أما كونشرتو الكمان الذي وظفت فيه آلة العود لإضافة لمسة من روح ثقافتنا العربية، بأداء ريشة الفنان بسام حلقه، وأدته ببراعة عازفة الكمان العالمية ريتشيل بارتون باين وقمنا بتسجيل كلا العملين مع فرقة أوركسترا إذاعة فيينا السمفونية بقيادة العالمية مارين ألسوب.
○ ما الرسالة التي يحملها كونشرتو الكمان ضمن هذا الألبوم وهل كونشرتو الكلارينت مهدى لأحد ما؟
•كونشرتو الكلارينيت إهداء لكل المظلومين في كل مكان وزمان وأخص بالذكر المعتقلين في سجون «قاتل الأطفال» في وطني الحبيب سوريا، ولأطفال سوريا الأحرار في مخيمات التهجير القسري. أما كونشرتو الكمان فهو هدية لكل نساء العالم اللواتي أبرزن شجعاتهن في مختلف المواقف، وأخص بالذكر المعتقلات في سجون «قاتل الأطفال» وأمهات الشهداء وعلى رأسهم أم الساروت الشاهد وشهيد الثورة السورية من أجل الكرامة والحرية، أمي الغالية التي اعتدت عليها «عصابات الأسد الإرهابية» والصحافية العالمية ماري كولفين التي قنصها «قاتل الأطفال» في مدينتي الجميلة حمص، خلال توثيقها لجرائم الديكتاتور في وطني الحبيب سوريا. الإهداء لكل أيقونات الثورة السورية: طل الملوحي، ورزان زيتونة، ورانيا العباسي وأطفالها، وتحية خاصة لكل البطلات السوريات المتطوعات بفريق الخوذ البيضاء نصرة للمظلومين والمنكوبين من الشعب السوري العظيم.
○ كيف ترى توقيت إصدار الألبوم والتطورات التي يشهدها الملف السوري؟
•الفن لغة عالمية، والموسيقى تخاطب البشر كافة من خلال قوتها الناعمة التي تخترق كافة الحواجز بما فيها المكان والزمان. إنتاجي الموسيقي اليوم هو للأجيال القادمة وربط المستقبل بالحاضر في رحلتي الموسيقية في البحث عن الحقيقة والجمال لإيصال رسالة أمل في سياق الدبلوماسية الثقافية. الهدف الرئيسي هو الحفاظ على تراث سوريا الثقافي وتوثيق قضيتنا الإنسانية من خلال عمل فني يتخطى الواقع الراهن في محاولة جادة لإيصال رسالة الشعب السوري وطموحه لنيل حقوقه الإنسانية من حرية وكرامة وسلام.
○ السمفونية السورية كانت مع بداية الثورة هل يعتبر ألبومك الجديد استمراراً لهذا النهج في توثيق الثورة السورية؟
•السنوات العشر الأخيرة من تاريخ سوريا كان الفن فيها جانباً نضالياً يردف بقية أدوات النضال السلمية لنيل الحرية، والشعب السوري خلال هذه الحقبة أبدع أدباً وفناً من وحي الألم والأمل، والعمل على توثيق هذه القضية موسيقياً واجب أخلاقي وهاجس إنساني، فهو يوثق مشاعر الناس وأحلامهم عبر أعمال سمفونية تخاطب العالم بأسره بمختلف أعراقه وألوانه ولغاته، ومن حق الشعب السوري على العالم أن يسمع جمالية تراثهم وحقيقة فنهم في أصعب مراحل نضالهم، وكانت السمفونية السورية أولى لبنات هذا النهج، وكونشرتو الكلارينت السوري ما هو إلا رافد له ورحلة الإنتاج مستمرة في سمفونية سورية من أجل السلام.
○ أكدت في مناسبات مختلفة على أهمية سردية السلام.. كيف ترى الأمر حالياً؟
•السلام الحقيقي هو ضالة الإنسان الواعي، وهدف لكل جماعة بشرية على هذا الكوكب، ولكن السلام المنقوص المبني على الظلم والقمع والقتل لا يمكن أن يدوم. عندما ثار الشعب السوري على الظلم والإجرام كان الناس ينشدون للسلام، وما زالوا بعد اثني عشر عاماً مصرين على نيله، وكل سلام منقوص هو حرب مؤجلة، ولأننا شعوب ترفض الحرب وتؤكد على الحب والسلام المبني على حقوق الإنسان. فالإنسان روح هذا العالم والموسيقى هي صوت ضميره، وسردية السلام شبه مغيبة لدى تناول موضوع الثورة السورية وهذا ما نحاول التأكيد عليه دائماً كوني المؤسس والرئيس التنفيذي للمنظمة الخيرية «بيانو من أجل السلام».
○ قلت إن على الفنان الارتقاء بمستوى إبداعه للثورة هل صارت المسؤولية أكبر في ظل التطورات الحاصلة في الملف السوري؟
•الموسيقى غذاء الروح وبالنسبة لي هي رسم صوت الروح الإنسانية على مساحة من الصمت والسكون كونها غير ملموسة ومرئية ولذلك لديها قدرة سحرية لتخطي الحواجز الجغرافية والجيوسياسية وبذلك تخولنا طرح قضية إنسانية لأعظم ثورة في تاريخ البشرية المعاصر. أحاول من خلال مؤلفاتي الموسيقية التعبير عما أعجز بوصفه من خلال الكلمات وأعتبر نفسي محظوظاً جداً كونه لدي لغة عالمية يدركها الجميع بدون أي قيود. القوة الناعمة للموسيقى تفتح لي نافذة صغيرة في مجال الدبلوماسية الثقافية وبناء جسور موسيقية للتواصل والحوار مع الحضارات.
○ معروف عنك إيمانك بأهمية «الفن كأداة من أجل السلام» يبدو أنه صار الملاذ الوحيد لإبقاء ذاكرة كل من انتفض ضد الظلم؟
•الفن هو الأداة التي أحاول من خلالها المشاركة في قضية شعبي، والوقوف إلى جانبهم في محنتهم ومعاناتهم، ومما لا شك فيه بأن الموسيقى أداة سلمية تجمع البشر على القيم الإنسانية. أما حول أنها الملاذ الوحيد، أعتقد أن السوريين ما زالوا يمتلكون الكثير من الأدوات لشحن ذاكرتهم والحفاظ على هويتهم الثقافية لا سيما أننا ما نزال نشهد اليوم ملايين المهجرين قسرياً في مخيمات اللجوء وأخص بالذكر أطفال سوريا الأحرار والمعتقلين في سجون الظلم. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: كيف للشعب السوري العظيم أن ينسى ذاكرته؟! آلاف الشابات والشباب السوري على مقاعد الدراسة في أرقى جامعات العالم ومراكز البحث الأكاديمي يخوضون معركة الذاكرة والهوية والوجود وحق العودة لوطنهم كمواطنين حقيقيين. الحرية تبدع أدواتها.. وأدواتها لا تنضب.
○ مالك جندلي معروف عنه تكريس فنه منذ انطلقت الثورة السورية لنقل أصوات السوريين حتى نيل حريتهم هل ترى أن مهمتك ومهمة كل من يحمل هذا الهم الاستمرار في النضال بالرغم من خذلان كثر لذاكرة الضحايا مع التطورات الأخيرة؟
•بالتأكيد، ما نفعله هو واجب إنساني وأخلاقي ووطني، لا تخسر قضية ما لم يستسلم أصحابها، ونحن أصحاب قضية نبحث عن السلام الدائم وعن وطن يحترم أبناءه ويأويهم ويعبر عنهم، وبالنهاية سوريا وطننا «وطني أنا وأنا وطني» ومهما قدمنا لها ولأهلها قليل مقارنة بتضحيات الشهداء ونضالات المعتقلات والمعتقلين وأبطال الشعب السوري العظيم، ولن تثنينا التطورات الحالية والسابقة ولا اللاحقة عن إيصال رسالتنا السامة باسم أطفال سوريا الأحرار.
○ ما الرسالة التي تنقلها لأطفال سوريا الذين يعيشون حالياً تحديات مختلفة وظروفا صعبة؟
•ستكبرون يا أبنائي يوماً، وتفخرون أنكم رغم كل ما عشتموه تنتمون لهذا التراب الطاهر، ولهذا الشعب العظيم وحضارة سوريا العريقة. لكل شيء نهاية وفي ختام كل أمسية موسيقية أهديكم جزءًا من روحي أملاً بمستقبل أفضل تستحقونه. أنتم صوت الأمل في سمفونية سورية من أجل السلام
○ هل من أعمال موسيقية مستقبلية؟
•الإنتاج الموسيقي مستمر مع استمرار نضال السوريين لنيل حريتهم وكرامتهم الإنسانية. نقوم حالياً بالإعداد لتسجيل سمفونيات جديدة بعد الانتهاء من كتابة وتوزيع السمفونية الثامنة والمحطة القادمة بعد عاصمة الموسيقى الكلاسيكية فيينا ستكون العاصمة البريطانية مع أوركسترا لندن السمفونية.
○ هل لديك رسالة أخيرة؟
•أطفال سوريا الأحرار سمفونية من أجل السلام. انتهى عهد الصنم. سوف نقاومهم بالألم ونهزمهم بالنغم والقلم.
من هو مالك جندلي؟
المؤلف الموسيقي مالك جندلي من مواليد ألمانيا عام 1972 ومن أصول سورية تعود إلى مدينة حمص، ويقيم حالياً في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. بدأت علاقة مالك جندلي بالبيانو في ألمانيا بتلقّي علوم الموسيقى في الرابعة من عمره وكان أول حفل بيانو له على خشبة المسرح في الثامنة من عمره. تتلمذ على يد البروفيسور فيكتور بونين من كونسرفتوار تشايكوفسكي، وانتقل بعدها لدراسة نظريات التأليف الموسيقي في جامعة كوينز الأمريكية بعد حصوله على منحة دراسية كاملة وتخرج منها بدرجة امتياز عام 1997 تحت إشراف البروفيسور بول نيتش. حصل على شهادة الماجستير بدرجة شرف من جامعة كارولينا الشمالية عام 2004 واكتملت ملامح شخصيته الموسيقية المستقلة كمؤلف محترف يصوغ رؤاه الموسيقية الخاصة بجمل موسيقية مميزة تتسم بالعمق والثراء والتدفق. يعدّ جندلي من أهم عازفي البيانو، وقدّم أعماله برفقة العديد من الفرق السمفونية العالمية على أهم المسارح في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو عضو في الجمعية الأمريكية للملحنين والمؤلفين والناشرين. مالك جندلي ابن عم المؤسس الشريك والمدير التنفيذي السابق لشركة آبل العالمية، المخترع الراحل ستيف جوبز وهو المؤسس والرئيس التنفيذي للمنظمة الخيرية «بيانو من أجل السلام» والموسيقار الفخري لمتاحف قطر، والمؤلف الموسيقي المقيم في جامعة كوينز الأمريكية التي اختارته كباحث في التراث الموسيقي العربي ضمن كادرها الأكاديمي، بالإضافة إلى أنه باحث زائر سابق في مركز الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان بجامعة روتجرز الأمريكية. عام 2011 وبُعيد اندلاع الثورة السورية بمدة قصيرة، حمل جندلي البيانو وشارك في تظاهرة سلمية أمام البيت الأبيض احتجاجاً على وحشية النظام السوري، ما أسفر عن تعرّض والدته ووالده للضرب والتعذيب الوحشي على يد أجهزة نظام الأسد في سوريا. نال الجندلي لقب «المهاجر العظيم» من مؤسسة كارنيغي بنيويورك العريقة تقديراً لمساهمته في إغناء الثقافة وتطوير المجتمع عام 2015 وترشح الفيلم الوثائقي «مالك جندلي: طائر الفينيق في المنفى» لجائزة إيمي في شيكاغو عام 2019. وهو مؤسس وعضو تحكيم في مسابقة مالك جندلي الدولية للشباب التي تحتضن المواهب الشابة من الوطن العربي وتقدمها على خشبة مسرح كارنيغي بنيويورك، وحاز على جائزة حرية التعبير وجائزة غوسي للسلام وغلوبل ميوزيك لرسالته الإنسانية الهادفة. لا تقتصر موسيقى جندلي السمفونية على دمج المقامات الموسيقية المشرقية (أو «توظيفها» كما يحب تسميتها)، بقوالب الموسيقى الغربية الكلاسيكية، بل هي انعكاس حقيقي لدعوة منظمة اليونيسكو للحفاظ على تراث سوريا الثقافي الثري وحمايته في الوقت الذي يتعرض فيه للتدمير الممنهج والاندثار.
أحيت العديد من الفرق الأوركسترالية العالمية موسيقى جندلي؛ إذ عزفتها الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية بلندن، وأوركسترا بالتيمور السمفونية، وأوركسترا زغرب الفلهارمونية، وأوركسترا إذاعة فيينا السمفونية، والأوركسترا الفلهارمونية الروسية، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، وأوركسترا قطر الفلهارمونية بالإضافة إلى الأوركسترا الوطنية السورية.
“القدس العربي”