وسط الجدل عن سياسات طالبان ومساعي المعارضة لتوحيد جهودها والبحث عن داعمين دوليين لها، كانت هذه المقابلة التي أجرتها “المجلة” مع السيد أحمد مسـعود، نجل ووريث أحمد شاه مسـعود الذي قتل عشية أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وقد تحدث السياسي الأفغاني البارز حول مجموعة من القضايا المهمة في الملف الأفغاني والتي يمتد بعضها ليفتح ملفات إقليمية، وعلى رأسها قضايا الأمن والسلم في الشرق الأوسط ووسط آسيا.
تطرق مسعود أيضا إلى المخاوف الأمنية التي تضطر القوى الكبرى إلى عدم الوقوف بجانب المعارضة الأفغانية، والصراع الدولي الذي يتخذ من الأرض الأفغانية ساحة له، و”إيواء حركة طالبان للجماعات الإرهابية”، و”الخطأ” الذي حدث في الدوحة، وما وصفه بـ”عدم حياد قطر” إزاء أطراف العملية السياسية في أفغانستان.
هذه القضايا وغيرها كانت محل حوار “المجلة” الذي أجري عبر الإنترنت مع السياسي الأفغاني أحمد مسعود:
حضرت في فيينا مؤتمر المعارضة الأفغانية في دورته الثانية، فما الهدف منه؟
عملية فيينا مبادرة يقودها الأفغان، وهي لا تسعى لتوحيد صفوف المعارضين لـطالبان فقط، بل تحاول أيضا توحيد جميع الأفغان، بما فيهم طالبان نفسها.
لم تحظ مبادرة مؤتمر الدوحة للأسف بسمعة طيبة، خاصة بعد ما حدث خلال مؤتمر الدوحة في 2019-2020.
ويُعقد مؤتمر فيينا في مكان محايد، حيث إن الكثير من الأفغان يرون أن قطر، للأسف، ومع كل الاحترام لها، لم تحافظ على حيادها في ما يتعلق بالوضع في أفغانستان. فعلى الرغم من أن القطريين يبدون للعالم كوسطاء سلام، إلا أنهم يظهرون انحيازا نحو طالبان بدلا من الانحياز نحو جميع الأفغان. هكذا ينظر الأفغانيون إلى قطر.
لذلك، فإن فيينا، بالنسبة للوضع في أفغانستان، مكان محايد في أوروبا وفي العالم. وعلى الرغم من انعقاد هذا المؤتمر في أوروبا، إلا أنه مبادرة أفغانية يقودها الأفغان.
الهدف النهائي هو جمع كافة الأطراف: طالبان والمعارضة وحتى أولئك الأشخاص الذين يراقبون وينتظرون. ربما نستطيع نحن الأفغان أخيرا أن نجتمع معا ونسأل: أين نحن الآن؟ ما الذي حدث في العقود الخمسة أو الستة الماضية في بلدنا؟ لماذا نستمر في الاقتتال والتحارب؟ ولماذا نلجأ أحيانا إلى الحرب في قضايا يمكننا حلها من خلال الحوار؟ ولماذا نشارك أحيانا في حروب الآخرين: حروب القوى الإقليمية وحروب القوى العظمى؟ ما سبب هذا الوضع في أفغانستان؟
الخطوة الأولى لكل من يعارض الوضع الحالي هي إنشاء منصة للحوار. يجب أن نتحاور بشأن كل تلك القضايا معا
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
عندما أفكر في أفغانستان، أتذكر التغيير في رواندا. أتمنى دائما أن يحدث تحول مماثل في أفغانستان. لقد استطاعوا تغيير الأمور وتحقيق تحول كبير. ولدينا في أفغانستان جميع المقومات الضرورية لتحقيق هذا التغيير، ولكن الحوار هو سبيلنا الوحيد لتحقيق ذلك. لذا، فإن الخطوة الأولى لكل من يعارض الوضع الحالي ولأولئك الذين يؤمنون بالحل العسكري أو يؤمنون بالمقاومة غير العسكرية ولأولئك الذين يؤمنون بضرورة أن تكون حكومة أفغانستان حكومة إسلامية وأولئك الذين يؤمنون بضرورة أن تكون الحكومة علمانية، أيا كانت تلك المعتقدات، هي إنشاء منصة للحوار. يجب أن نتحاور بشأن كل تلك القضايا معا.
ثانيا، علينا أن نجلب طالبان، لنتفاوض جميعا ونجد حلا لمستقبل أفغانستان. ربما يسعنا هذه المرة، بعد خمسة عقود من التجارب والصراعات الداخلية وخوضنا حروب دول أخرى وسماحنا للدول الأخرى بالتدخل في شؤوننا وإملاء مطالبها علينا، أن نبدأ بالحوار لإيجاد الحل معا، نحن وطالبان وكثير من الجماعات الأخرى.
هدفي النهائي هو أن نتوصل أخيرا، من خلال الحوار والتفاهمات، إلى الإجماع على أن أفغانستان بحاجة إلى تغيير كبير وهائل.
ما نوع الدعم الذي تحصلون عليه في مؤتمركم هذا؟ نسمع في الأخبار يوميا تزايد عدد الدول التي ترغب في قبول الواقع والتعامل مع طالبان؟
– هناك أمران مختلفان: الواقع ومطالب الشعب الأفغاني. في الواقع، تسيطر طالبان حاليا على السلطة في كابول، وتتعامل الحكومات معها بناء على المخاوف والوضع الأمني الحالي. ومع ذلك، فإن هذه التعاملات في معظمها تكتيكية وليست استراتيجية، إذ تدرك هذه الحكومات أن هذا النوع من التعامل مع طالبان لن يكون استراتيجيا ما لم تكن هناك حكومة في أفغانستان تحظي بالدعم الداخلي؛ إذ لا تملك حركة طالبان شرعية داخلية أو دعما من الشعب الأفغاني. فهي لم تحصل على تأييد الأمة الأفغانية أو قبول الشعب الأفغاني، الذي يعتبر نفسه غريبا عنها. وبسبب ذلك، لم تتمكن حركة طالبان خلال العامين الماضيين من إعادة أي شخصية بارزة إلى أفغانستان، ولم تتمكن من تحقيق الوحدة داخل البلاد، كما أنها لم تبد أي تطور في جعل الشعب الأفغاني يقبل طالبان كحكام لأفغانستان. وبالتالي، لم تتحقق المصالحة الداخلية في أفغانستان، ولم تتحقق الشرعية الداخلية. وفي حال عدم تحقيق ذلك، فإن التعامل الخارجي مع طالبان سيبقى تكتيكيا، وهذا أمر مفهوم.
من خلال سفري الكثير في أرجاء المنطقة، أدرك تماما أن العلاقات الإقليمية مع طالبان تستند إلى المخاوف الأمنية. إذ تعتمد طالبان على استخدام تكتيك الرهينة للحفاظ على نفوذها. إضافة إلى ذلك، فإن طالبان تستغل جيدا التوتر الذي يشهده العالم حاليا بسبب الحرب في أوكرانيا وضعف الغرب وصعود قوى في الشرق والمواجهات بين الغرب والشرق.
وتُعدّ أفغانستان بقعة ساخنة يحاول العالم بأكمله تجنبها. ويحاول المسؤولون في واشنطن تجاهل ما يحدث في أفغانستان بسبب مشكلتهم وخطئهم الفادح الذي ارتكبوه هناك. في الواقع، هم يسعون لطمس الأمور والادعاء بأن لا علم لديهم بما حدث. تدرك طالبان وجود هذا التوتر في العالم وتستغله في وضع خطتها الخاصة بأفغانستان. إنها تستمتع تماما بالوضع القائم حاليا. لذا، فمن واجبنا كأفغان أن نقف معا ونستعد للمستقبل.
“المجلة”