تحت عنوان: “لا تتركوا أفريقيا!”، قال الكاتب والجيوسياسي الفرنسي رينو جيرار، في عمود رأي بصحيفة “لوفيغارو”، إنه في مواجهة تزايد المظاهرات المناهضة للفرنسيين في إفريقيا الناطقة بالفرنسية: جمهورية إفريقيا الوسطى، مالي، بوركينا فاسو، والسنغال، والآن في النيجر، يتفاعل العديد من المواطنين الفرنسيين بمرارة، ولسان حال عدد منهم يقول وبشكل متزايد: “بما أن الأفارقة لم يعودوا يحبوننا، فلنترك إفريقيا، إنها عبء، دعونا نركز على أوروبا”.
ويضيف الكاتب: “هؤلاء لا يمكنهم تحمل رؤية فرنسا تتعرض للإهانة من قبل الشباب الأفريقي الناكر للجميل، بينما منذ الاستقلال الممنوح لأكثر من جيلين، قدمت فرنسا الكثير لأفريقيا، من حيث التعاون الاقتصادي والعسكري والثقافي والصحي”.
جيرار: الفرنسيون سيرتكبون خطأ فادحا بإلقاء الطفل مع ماء الحمام.. فالتاريخ والمستقبل يأمران فرنسا بألا تستسلم في إفريقيا
رينو جيرار، اعتبر أنه يُمكن فهم هذا التوتر الفرنسي، لكنه شدد على أن الفرنسيين سيرتكبون خطأ فادحا بإلقاء الطفل مع ماء الحمام، وقال إن التاريخ والمستقبل يأمران فرنسا بألا تستسلم في إفريقيا. فأولاً، يتعين على الفرنسيين البقاء حذرين في مواجهة الصور التلفزيونية المشوهة، إذ لا يمكن لمظاهرة من ألف شاب يلوحون بالعلم الروسي، والتي استغلتها دعاية فاغنر على الشبكات الاجتماعية، أن تمثل جميع مواطني هذا البلد الإفريقي أو ذاك.
فقد عبّرت الأمة النيجرية بأكملها عن نفسها بشكل ديمقراطي في فبراير/ شباط عام 2021: انتخبت رئيسا بأغلبية 55 في المئة من الأصوات، محمد بازوم، الموالي لفرنسا، كما يشير الكاتب في “لوفيغارو”، معتبراً أنه في أفريقيا كما في أي مكان آخر، لا يمكن تخويف الفرنسيين من قبل الأقليات النشطة التي يتم التلاعب بها من الخارج، وشدد على ضرورة محاربة هؤلاء أيديولوجياً خطوة بخطوة.
وتابع جيرار القول إنه على الرغم من انتشار المشاعر المعادية للفرنسية كالنار في الهشيم بين هؤلاء الشباب الفرانكفونيين منذ ثلاث أو أربع سنوات، فإن الروابط الثقافية بين فرنسا ومستعمراتها السابقة تشكل جذورا عميقة جدا قادرة على المقاومة. فعلى مدى العقدين الماضيين، انتشرت محطات الإذاعة المحلية في أفريقيا. ولكن عندما يبحث مستمع أفريقي عن الحقيقة في هذه القضية الحساسة أو تلك، فإنه دائما ما يبحث عنها على أثير إذاعة فرنسا الدولية RFI.
وقال الكاتب أيضا إنه في مواجهة هذه الحركة المعادية للفرنسيين، فإن أسوأ شيء هو الانغماس في التوبة، معتبرا أنه يمكن للفرنسيين الافتخار بمعظم العمل الاستعماري الفرنسي في إفريقيا، حيث كانت أولويتهم هي تنمية السكان، وليس استعبادهم. كان هوسهم هو بناء المزيد والمزيد من المدارس والطرق والسدود والمستوصفات، كما هو موضح في كتاب فيليب سان ماركو “إفريقيا السمراء.. حلم فرنسي”.
فحتى لو كانت التبادلات التجارية لفرنسا مع إفريقيا اليوم تمثل 5% فقط من تجارتها الدولية، فلا يوجد سبب لتخليها عن إفريقيا للروس والصينيين، يشدد الكاتب الفرنسي، مشيرا إلى أن روسيا بوتين، من خلال عدم قدرتها على تأييد فكرة القوة الناعمة، فقدت كل نفوذها في أوروبا الشرقية. أما بالنسبة للصين، فقد بدأ الأفارقة يدركون أنها مهتمة بموادهم الخام أكثر من اهتمامها بهم.
يزعم جيرار أن يمكن للفرنسيين الافتخار بمعظم العمل الاستعماري الفرنسي في إفريقيا، حيث كانت أولويتهم هي تنمية السكان، وليس استعبادهم
وتساءل الكاتب إن كان هذا يعني أن كل شيء على ما يرام في أفضل العوالم لسياسة فرنسا الأفريقية؟ رداً على السؤال، قال إن الجواب هو ”لا”، مشدداً على أنه يجب إعادة النظر في سياسة باريس حيال إفريقيا، من الأعلى إلى الأسفل، بعد أن سقطت في دوامة هبوط منذ تدخلها العسكري الكارثي في ليبيا عام 2011، وهو أخطر خطأ في السياسة الخارجية للجمهورية الخامسة بأكملها، على حد تعبير الكاتب.
فيما بعد، تبنت فرنسا سياسة تغيير النظام، التي جاءت من المحافظين الجدد الأمريكيين. فمن خلال تدمير نظام القذافي، ومن دون إيجاد البديل، أغرقت فرنسا ليبيا في فوضى لم تخرج منها حتى الآن. علاوة على ذلك، نُهبت أسلحة الرئيس الليبي السابق، ثم انتشرت في جميع أنحاء منطقة الساحل، حيث سرعان ما زعزعت استقرار هذه البلدان الصديقة لفرنسا، وهي مالي وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر. ومنذ عام 2013 ، بدأت فرنسا حربا ثانية في محاولة لإصلاح آثار الحرب الأولى. لكن فشل فرنسا في إعادة الأمن الذي كان موجودا في عهد القذافي إلى منطقة الساحل، أدى إلى إثارة الإحباط، ثم عدم ثقة السكان.
وحث رينو جيرار على ضرورة تعلم درس عملية برخان: لا تتدخل مرة أخرى في الشؤون الإفريقية الداخلية بحجة الدفاع عن “الديمقراطية”.
وذكّر الكاتب في الأخير أن إفريقيا تعد من الناحية الديموغرافية أصغر قارة على هذا الكوكب. ستمنحها مواردها الهائلة دورا مركزيا على المدى المتوسط في الاقتصاد العالمي. ثقافيا، تتمتع فرنسا بميزة نسبية هناك، وبالتالي على فرنسا لعبها على أكمل وجه، وأن تساعد أولئك الذين يطلبونها منها والامتناع عن إلقاء المحاضرات.
“القدس العربي”